دعائم النمو المستدام للاقتصاد والقطاع الخاص

22/06/2022 0
عبد الحميد العمري

تأتي تلك الدعائم المستهدف بها تعزيز النمو المستدام للاقتصاد الكلي عموما، والقطاع الخاص خصوصا، في مقدمة أولويات أي سياسات اقتصادية ومالية كلية. وإذا كان هذا هو المتعارف عليه دوليا وعبر التجارب طويلة الأجل للاقتصادات كافة أثناء ازدهار الاقتصاد، فإنه يصعد من حيث الأهمية القصوى إلى أكثر من ذلك أثناء الأزمات الراهنة أو المحتملة للاقتصاد العالمي، ويتطلب تسخير أكبر قدر ممكن من الموارد والسياسات لأجل تحقيقه، والمحافظة بموجبه على وتيرة النمو الاقتصادي كطموح مشروع لا جدال عليه، وفي أضعف الإيمان لا يأتي الانكماش المحتمل أكبر، ولا تطول فترته أكثر مما تحمله مسبباته الخارجية قبل الداخلية، وتتضاعف المهام والمسؤوليات في هذا الشأن فيما يتعلق بنشاط القطاع الخاص، وبما يمثله كجزء إنتاجي من الاقتصاد الكلي، يتم النظر إليه على أنه المصدر الأول والأهم لكل من النمو الاقتصادي، وتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وتوظيف العمالة المواطنة، وهي الاعتبارات الأكثر أهمية في أي اقتصاد حول العالم.

كل ما تقدم كان الحاضر الأول في جميع تصريحات الأجهزة الحكومية التنفيذية طوال العقود الماضية، وزاد حضوره أكثر بالتزامن مع أزمة الاقتصاد العالمي الناتجة عن تفشي الجائحة العالمية لكوفيد - 19، ونجحت بامتياز في تجاوز اقتصادنا الوطني أغلب تداعيات تلك الجائحة، وأثمرت عن دخول الاقتصاد الكلي منطقة النمو الإيجابي بدءا من الربع الثاني من العام التالي للجائحة العالمية، بمعدل نمو سنوي بلغ 1.9 في المائة، واستمر في التصاعد حتى بلغ 9.9 في المائة بنهاية الربع الأول من العام الجاري. أما بالنسبة للقطاع الخاص، فقد سبقه بالنمو من الربع الأول من العام الماضي بمعدل إيجابي بلغ 5.0 في المائة، واستمر في المحافظة على وجوده في المنطقة الإيجابية طوال الأرباع التالية، وصولا إلى نموه ربع السنوي خلال الربع الأول من العام الجاري بنحو 3.6 في المائة، وأسهم ذلك في تحسين مستويات التوظيف، وخفض معدل البطالة من مستواه القياسي الذي وصل إليه بنهاية الربع الثاني من عام الجائحة العالمية "15.4 في المائة"، الذي وصل به إلى 11.0 في المائة بنهاية العام التالي للجائحة، ويتوقع - بمشيئة الله تعالى - أن يتراجع لما دون ذلك المعدل بنهاية الربع الأول من العام الجاري، على أثر النمو السنوي القياسي للعمالة المواطنة في القطاع الخاص بمعدل 11.9 في المائة، وفقا لبيانات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية عن أداء سوق العمل خلال الربع الأول من العام الجاري.

تأتي أهمية الحديث خلال الفترة الراهنة، وفي المستقبل القريب، عن أهم الدعائم المحفزة واللازمة للاقتصاد الكلي عموما، والقطاع الخاص "الجزء المنتج اقتصاديا" خصوصا، لما أصبح يواجهه الاقتصاد العالمي من مخاطر دخوله في حقبة من الانكماش والركود، مع بدء البنوك المركزية حول العالم تصعيد مواجهتها مع التضخم غير المسبوق عالميا لأكثر من أربعة عقود مضت، واقتران تلك المتغيرات العالمية وفقا لتوقعات الهيئات الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي)، وكبرى البنوك والشركات الاستثمارية حول العالم بكثير من المنعطفات الوعرة والمتشعبة، التي سيترتب عليها عديد من التحديات الضاغطة على نمو الاقتصادات، وخفض التجارة الدولية، وارتفاع معدلات تعثر عديد من الدول الأقل دخلا عن سداد ديونها، وما سيترتب عليه كل ذلك من احتمالات ارتفاع معدلات البطالة عالميا، وزيادة حدة تقلبات أغلب أسواق الأصول الاستثمارية، لتضاف إلى التداعيات العكسية الراهنة، الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، وبنود قائمة العقوبات الغربية ضد روسيا التي لم تتوقف عن الزيادة حتى تاريخه، إضافة إلى استمرار حالات انقطاع سلاسل التوريد الناتجة عن إجراءات التصدي للجائحة العالمية لكوفيد - 19، التي لا تزال الصين كأكبر اقتصاد منتج حول العالم الحامل الأكبر للواء تلك الإجراءات.

كما نجحت المملكة - بحمد الله وفضله - في مواجهتها السابقة لتداعيات الجائحة العالمية، باعتمادها على كثير من السياسات والأدوات الداعمة لاستقرار الاقتصاد الوطني، التي أقرتها الدولة - أيدها الله - وما زال بعض تلك الحزمة من الدعائم معمولا به حتى تاريخه، فكل هذا يشير بوضوح تام إلى توافر القدرة اللازمة لتكرار التجربة الناجحة بشهادة الأداء الاقتصادي الراهن، وشهادة عموم الهيئات والمؤسسات الدولية، وقياسا على التوقعات الدولية بأن تأتي التحديات الاقتصادية العالمية أكبر حجما، وأطول من حيث المدة الزمنية، ما يمكن القول على أثره إن حجم سلة المحفزات "الدعائم"، قد تقتضي تلك التحديات العالمية تكرارها بقدر أكبر، وفترة أطول، وهو الأمر الذي تتوافر لبلادنا - بحمد الله وفضله - القدرة والموارد الكافية على تحقيقه وإنجازه، وهو الأمر الذي يقتضي أن يبدأ ترجمته في وقت مبكر من خلال بيئة الأعمال المحلية، وبيئة السوق المالية، وعديد من مؤشرات الأداء الاقتصادي والاستثماري عموما، والعمل المشترك والمتكامل على تحقيقه كما سبق القيام به قبل أقل من عامين ماضيين.

ليس هذا فحسب، ففي أوقات الأزمات العالمية، يبرز كثير من الفرص التي قد لا تتكرر إلا نادرا، ممكن اقتناصها قبل الآخرين من قبل المقتدرين اقتصاديا وماليا وعلى مستوى الإمكانات كافة، وهو الأمر المتوافر - بحمد الله - للمملكة قياسا على التحسن الكبير للوضع المالي العام، وتمكنه من تحقيق فائض مالي قياسي مطلع العام الجاري (57.5 مليار ريال)، ويتوقع انتهاء العام المالي الجاري على فائض مالي جيد قد يتجاوز سقف 200 مليار ريال إلى نحو 250 مليار ريال، كأول فائض مالي سنوي منذ 2013، نتيجة تحسن أسعار النفط العالمية، ونتيجة للالتزام التام ببرنامج التوازن المالي، ما يؤهل الاقتصاد الوطني إلى التقدم نحو اقتناص أفضل الفرص محليا وعالميا، عوضا عن امتلاكه القدرة الكافية للتصدي لأي تداعيات عكسية محتملة قد تنتج عن موجة الركود التضخمي التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وهي الركائز الأساسية التي منحت اقتصادنا الوطني توقعات تحقيقه نموا يفوق 7.0 في المائة بنهاية العام الجاري، مقارنة بخفضه توقعات النمو الاقتصادي العالمي للفترة نفسها.

 

 

نقلا عن الاقتصادية