مشكلات في قياس التضخم

20/06/2022 0
د.صالح السلطان

معلوم أن العالم يشهد معدلات تضخم مرتفعة. وهذا ليس بجديد، فالعالم شهد عبر الأعوام والقرون موجات تضخم. وهذه التسمية ترجمة لكلمة inflation. كلمة تعبر عن غلاء مستمر، أي ارتفاع مستمر في المستوى العام للأسعار، أو بعبارة مكافئة: انخفاض مستمر في قيمة النقود. ويعبر إحصائيا عن التضخم بأنه معدل الزيادة في الأسعار خلال فترة زمنية محددة، كالشهر والعام، نفهم من معنى التضخم أن الارتفاع المؤقت في سعر سلعة لفترة قصيرة كأيام لا يعد تضخما. كما أن ارتفاع سعر سلعة دون أن يقابله ارتفاع في المستوى العام للأسعار لا يعد كذلك. مثال، ارتفاع سعر سلعة وانخفاض في سعر سلعة أخرى ذات تأثير مشابه في قياس التضخم.

كيف يقاس التضخم؟ ما مدى تصوير مخرجات القياس، أي معدلات التضخم المنشورة تصويرها للواقع كما يراه الناس؟

لا شك في أهمية تلك المعدلات، التي هي مؤشرات لحركة الأسعار. لكن هذا لا يعني خلوها من مشكلات، فالكمال لله وحده. وللتوضيح، وجود المشكلات أمر عالمي مشترك بين الدول، وإن كان في دول أشد حدة من دول أخرى، ولا شك في أن العاملين في الهيئات الإحصائية يبذلون جهودا لا تنكر في تحسين عملي لجودة الرقم القياسي. ورغم ذلك، فإن مدى تمثيله للواقع أمر تحت الاستفهام والنقاش. ومن المهم القول إن احتساب المقياس في أي دولة، وإن كان يبدو للوهلة الأولى أنه عمل ليس بذاك التعقيد، لكنه عمليا محاط بصعوبات ومشكلات. أهم المشكلات في احتساب معدلات التضخم المنشورة:الانسجام: لا تتحرك كل الأسعار بالاتجاه نفسه فضلا عن النسبة نفسها. ومن ثم فإن الأسعار النسبية "نسبة أسعار السلع بعضها إلى بعض" تتغير، على سبيل المثال بعض السلع ترتفع أسعارها بنسبة أعلى من سلع أخرى. كما أنه من المحتمل وجود انخفاض في أسعار سلع. وتبعا لذلك لا بد من معايير في قياس التضخم. معايير تراعي تأثير توزيع الدخل المنفق فيما ينتج من سلع، كما أن الإنفاق العام يتغير. وتبعا يراعى مهنيا في قياس التضخم في مختلف الدول تحقيق أعلى ما يمكن من انسجام بين أرقام الرقم القياسي وأهمية الأنشطة الاقتصادية في نظر الناس.

تحقيق ذلك الانسجام ليس بالأمر السهل. هو لا يعكس بالضرورة دقة الرقم القياسي في قياس التضخم لكل السلع، وفي نظر جميع فئات المجتمع. لذا يشكك البعض في دقة هذا الرقم، بما يرونه غير عاكس لواقع بعينه. ويستشهدون على ذلك بضرب أمثلة عن سلع ارتفعت أسعارها في نظر الناس بنسب تزيد كثيرا عما يرونه في أرقام الرقم القياسي.

مراعاة تمثيل المقياس أي المؤشر لأنواع المستهلكين: أنماط الاستهلاك لدى بعض الناس لا تتفق مع أنماط الأغلبية، ومن ثم فإن المقياس، أي المؤشر، لا يمثل هؤلاء البعض تمثيلا جيدا، نظرا إلى أن أوزان المؤشر تختلف عن أوزانها اختلافا بينا. مثال، لنفترض مؤشرا يعطي السكن وزنا قدره 30 في المائة، لكن عددا من الناس يصرفون عليه نحو نصف دخلهم، وعددا آخر يصرفون عليه نسبة صغيرة، مثلا 10 في المائة من دخلهم. عندما ترتفع أسعار الإيجارات، قل 30 في المائة، فإن المؤشر يميل إلى أن يعطي رقما عن التضخم أقل مما يشعر به الأولون، وأكثر مما يشعر به الآخرون.

تكييف المقياس حسب تغير المواصفات أو الجودة: بعض المؤشرات لا تعكس هذه التغييرات كما ينبغي. مثلا، يطرأ على بعض السلع "التي سبق استعمالها في مؤشر الأعوام الماضية"، تغير في المواصفات بما يزيد التكاليف. وتبعا ترفع شركات أسعار هذه السلع. لكن من المحتمل أن يعكس الرفع فقط زيادة التكاليف، ومحتمل أن يعكس أيضا أسبابا وظروفا أخرى.

من جهة الجودة، فإن طريقة القياس الشائعة في كثير إن لم يكن عامة دول العالم لا تعكس بما يراعي جيدا التغير في مستوى جودة السلع المستهلكة "ومن ثم عمرها". هناك علامات كثيرة على انخفاض أسعار سلع بسبب تغيير مصادر إنتاج هذه السلع إلى أخرى أقل جودة. وهذا الانخفاض يجعل معدلات التضخم الحقيقية في نظر الناس أعلى من الأرقام المعلنة.

مراعاة قانون الطلب: قد تزيد أسعار سلع ما، ويعمل المستهلك على زيادة مشترياته من سلع بديلة "عملية إحلال"، ما يحدث إخلالا في أوزان المؤشر.

حدة المشكلات السابقة تتفاوت بين دول العالم. وهناك مشكلات أخرى، لا يتيح المقام بيانها. ورغم هذه المشكلات، فإن المؤشرات المعلنة تبقى أفضل المتاح، كما أن الجهود من الجهات الأكاديمية والجهات الإحصائية تبذل لتحسينها بين وقت وآخر.

مقاييس بديلة أو إضافية؟ كثير من الدول تعمل مقياسا "إضافيا" لا يحوي كل الفئات لسبب ما، مثل كون أسعارها كثيرة التذبذب كالأطعمة. كما اقترح آخرون تطوير مقياس إضافي، بما يمكن من استبعاد السلع التي يمكن لعامة المواطنين الحصول عليها كلها أو أكثرها مجانا. هذه المقاييس يسميها بعضهم التضخم الأساسي بصورة أنسب من تعبير الرقم القياسي العام.

 
نقلا عن الاقتصادية