لا يبدو أن هناك نهاية تلوح في الأفق لأزمة إمدادات الوقود الحالية، حيث يتوقع أن يرتفع الطلب في الصيف في وقت تعمل المصافي بمعدلات غير مستدامة. في هذا الجانب، ذكرت وكالة "بلومبيرج" أخيرا، أن الإدارة الأمريكية تبحث في إمكانية إعادة تشغيل المصافي المتوقفة عن العمل من أجل تعزيز إنتاج الوقود وكبح جماح الأسعار. إضافة إلى ذلك، تواصلت وزارة الطاقة الأمريكية مع الصناعة لمطالبة الشركات بزيادة إنتاج النفط. لكن، رغم أن الإنتاج ينمو بالفعل، إلا أنه ينمو بشكل أبطأ بكثير مما يجب لتعويض شح العرض. الصادرات الأمريكية آخذة في النمو أيضا، ما يسهم في شح العرض المحلي، ولا سيما في نواتج التقطير الوسطى. وقد أثار هذا مخاوف من حدوث نقص بسبب استمرار الطلب القوي مع تعافي الاقتصاد وزيادة الإنفاق الاستهلاكي بعد الوباء.
في وقت تعمل المصافي بمعدلات تشغيل تزيد على 92 في المائة وهو أعلى معدل موسمي منذ عام 2017، وهو معدل غير مستدام، وفقا لمطلعين على الصناعة. إذا كان هناك تلف أو توقف في المصافي مع حلول موسم الأعاصير، فقد تصبح الأمور بالفعل صعبة مع تأثر إمدادت الوقود.
منذ عام 2020، خسرت الولايات المتحدة نحو مليون برميل يوميا في طاقة التكرير، وهذا يعني أن البلاد تعاني فعليا نقصا هيكليا في طاقة التكرير. وعلى الصعيد العالمي، تقلصت طاقة التكرير بأكثر من مليوني برميل في اليوم منذ عام 2020. إضافة إلى إغلاق مصافي التكرير، من المقرر تحويل اثنين على الأقل إلى منشآت لإنتاج الوقود الحيوي، ما يؤدي إلى تقليص طاقة التكرير المتاحة لدى أكبر مستهلك للنفط في العالم.
لكن، وفقا لوكالة الطاقة الدولية، هذه ليست مشكلة على الإطلاق. قدرت الوكالة أن طاقة التكرير العالمية تراجعت بنحو 730 ألف برميل يوميا العام الماضي، وأن تشغيل المصافي هذا العام سيكون أقل بنحو 1.3 مليون برميل في اليوم على مستوى العالم عما كانت عليه عام 2019. والسبب في عدم وجود مشكلة حسب رأي الوكالة هو أنها تتوقع أن يكون الطلب على النفط هذا العام أقل بمقدار 1.1 مليون برميل يوميا عما كان عليه عام 2019. ومع ذلك، لا يشعر الجميع بالارتياح، خاصة في الولايات المتحدة، حيث حطمت أسعار الوقود أرقاما قياسية بينما تحولت الشركات مصافيها إلى مصانع لإنتاج الوقود الحيوي. ويشير عديد من المختصين بالصناعة إلى أن من الصعب زيادة معدل تشغيل المصافي الحالية كثيرا، حيث إنها بالفعل أكثر من 92 في المائة، وعموما، لا يمكن استمرار ذلك فترات طويلة من الوقت.
ومن المثير للاهتمام، أنه رغم عدم التوازن بين العرض والطلب، الذي دفع هوامش التكرير إلى أعلى مستوياتها منذ أعوام، لا يبدو أن المصافي في الولايات المتحدة وأوروبا تخطط لإضافات جديدة في السعة. الأسباب: الوقت ورغبة المستثمرين. حيث، لا يريد المستثمرون أن يروا الشركات تضخ الأموال في نمو قطاع النفط والغاز. إضافة إلى ذلك، إن بناء مصفاة جديدة هو مسعى طويل ومكلف يبدو أن قلة من المصافي تعتقد أنه مبرر رغم ارتفاع هوامش التكرير إلى مستويات قياسية. أيضا، أصبح صبر المستثمرين أكثر نفادا ولا يريدون انتظار عائدات مشاريع مثل المصافي الجديدة.
في الوقت نفسه، لا يزال الطلب على المنتجات المكررة قويا: صادرات الوقود الأمريكية وصلت إلى معدلات قياسية، يذهب كثير منها إلى أوروبا، التي مثل الولايات المتحدة، خفضت قدرتها على التكرير على مدار العامين الماضيين لكنها تحتاج الآن إلى مصادر جديدة للمنتجات النفطية بعد أن شرعت في مسار طارئ لخفض اعتمادها على النفط والوقود الروسي. وعند الحديث عن روسيا، أدت العقوبات إلى خفض كبير في طاقة التكرير، حيث تقدر "رويترز" ما يصل إلى 30 في المائة منها معطلة، ومن المرجح أن يظل نحو 1.2 مليون برميل في اليوم خارج الخدمة حتى نهاية العام.
في حين أن طاقة التكرير في آسيا والشرق الأوسط في ازدياد. في آسيا، تجاوزت إضافات المصافي الجديدة مليون برميل يوميا، وفقا لـ "بلومبيرج"، بينما في منطقة الشرق الأوسط، وصلت طاقة التكرير الجديدة منذ عام 2019 إلى نحو نصف مليون برميل يوميا.
إذن، لم يتغير ميزان طاقة التكرير فحسب، بل تغير أيضا جغرافيا. قبل ثلاثة أسابيع، صدرت الولايات المتحدة نحو ستة ملايين برميل يوميا من المنتجات البترولية المكررة. وبعد أن وافق الاتحاد الأوروبي على حظر الخام والمنتجات الروسية، وإن كان ذلك من حيث المبدأ في الوقت الحالي، هناك احتمالات بأن الطلب على الواردات من الولايات المتحدة سيرتفع أكثر، ما يجهد المصافي الأمريكية أكثر.
بعد ذلك، سيحين وقت موسم الأعاصير، حتى إذا كان ساحل الخليج محظوظا هذا العام، فإن إغلاق المصافي تحسبا للعواصف التي ستصل إلى اليابسة مضمون إلى حد كبير، بناء على ما رأيناه في الماضي. هذا لا يبشر بالخير بالنسبة لأسعار الوقود، التي أصبحت قضية رئيسة للحكومات على جانبي المحيط الأطلسي. هناك شعور معين بالمفارقة في ذلك، حيث أن السبب الوحيد لعدم التوازن في قدرات المصافي هو تحول تركيز المستثمرين من النفط والغاز إلى مصادر الطاقة البديلة. بالطريقة التي تبدو بها الأمور الآن، يمكن لشركات التكرير بناء مزيد من قدرات التكرير، لكن المستثمرون غير مستعدين للمشاركة في النمو طويل الأجل لصناعة النفط، ما يتطلب هذا ارتفاع أسعار الوقود لفترة أطول حتى يبدأ الطلب في الانخفاض، وهو ما قد يحدث على الأرجح عند مستوى سعر أعلى.
ومع ذلك، في المدى القريب، مع اقتراب موسم السفر الصيفي، من المرجح أن تؤدي حالة طاقة التكرير الحالية إلى جعل الأمور أكثر صعوبة على الحكومات والمستهلكين. وبينما يتصدر البنزين عناوين الأخبار بسبب ملايين السائقين الذين يتعين عليهم دفع مزيد، تظل المشكلة الأكبر هي الديزل، الوقود الذي تعتمد عليه صناعة الشحن لنقل البضائع من المنتجين إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم. وهذا مرتبط بسلسلة توريد جميع أنواع السلع والخدمات وأهمها الغذاء.
نقلا عن الاقتصادية
صوره مع التحيه لملاك بترورابغ ؟ الله المعين