عقود التمويل العقاري الشائعة هي عقود المرابحة التي تتميز بكون نسبة الفائدة فيها ثابتة طوال مدة العقد، وبالتالي لا توجد هناك مفاجآت في مبالغ الأقساط الشهرية التي يدفعها المقترض حين تتغير أسعار الفائدة. وفي المقابل، هناك عقود الإجارة التي تتغير فيها تكلفة التمويل والأقساط الشهرية، وهي الطريقة المفضلة في كثير من الدول الأجنبية، إلا أنها محليا ليست الخيار المفضل لدى كثير من المقترضين.
عندما تتغير أسعار الفائدة كما هو حاصل حاليا، ومتوقع لها مواصلة الارتفاع لعدة مرات هذا العام، فكيف ستتغير تكلفة التمويل العقاري سواء للعقود ذات التكلفة الثابتة أو المتغيرة، سواء العقود القائمة أو الجديدة؟
الجواب البدهي أن تكلفة عقود المرابحة للاقتراض الجديد سترتفع بحكم تغير أسعار الفائدة في المملكة التي رأينا بوادرها في ارتفاع معدلات اتفاقيات إعادة الشراء لدى البنك المركزي وارتفاع تكلفة الاقتراض بين البنوك السعودية "سايبور". إلا أن هناك جانبا آخر لأسعار عقود المرابحة، كون الذي يحصل هو أن ترتفع تكلفة الفائدة بشكل أكبر نسبيا من الارتفاع في أسعار الفائدة الرسمية. أي رغم أن البنك المركزي السعودي على سبيل المثال قام برفع معدل اتفاقيات إعادة الشراء بمقدار ربع نقطة مئوية إلا أن تكلفة التمويل ترتفع على الفور لعدة أضعاف، ما سبب قفزة تكلفة التمويل هذه؟
بالنسبة لعقود التمويل بفائدة ثابتة، أي عقود المرابحة، فالبنوك لديها مشكلة في تحديد السعر المناسب في ظل غموض مستقبل الفائدة، وبالتالي فهم يخففون من المخاطرة عليهم برفع سعر الفائدة أكثر من اللازم كي لا يقعوا في مشكلة الاحتفاظ بعقود طويلة الأجل بسعر فائدة منخفض في الأعوام المقبلة. لذا نجد أن تكلفة التمويل العقاري والشخصي في الأعوام الماضية كانت تحت السيطرة لأن أسعار الفائدة الأمريكية منذ عام 2008 وهي منخفضة جدا، وعلاوة على ذلك كانت رؤية مجلس الفيدرالي الأمريكي واضحة فيما يخص مسار الفائدة في الفترات اللاحقة. أما الآن فهناك توجه شبه مؤكد أن أسعار الفائدة ستواصل الارتفاع، والأصعب من ذلك أنه لا يعرف حقيقة إلى متى ستواصل الارتفاع، ولا سيما أن ذلك يعتمد على حدة التضخم ومدى النجاح في السيطرة عليه. لذا فمن باب التحوط تقوم البنوك برفع أسعار الفائدة بشكل كبير.
إن تحريك مياه أسعار الفائدة المستقرة منذ عدة أعوام وما إلى هناك من ضبابية مستقبلية بشأنها جعل الناس يفاجؤون بارتفاع تكلفة التمويل خلال الأسابيع القليلة الماضية. هناك من يعتقد أن ارتفاع تكلفة التمويل العقاري خصوصا من شأنه أن يحد من قوة الطلب الموجه إلى القطاع العقاري السكني، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار العقار. الحقيقة المؤكدة أن ارتفاع تكلفة التمويل بالفعل يحد من حجم الطلب، أما تأثيره في الأسعار فيخضع لاعتبارات كثيرة أهمها مرونة العرض والطلب في الظروف الحالية وبحسب طبيعة كل منطقة في المملكة على حدة.
من لديه عقد مرابحة تمويل عقاري تم إبرامه في الأعوام الماضية فهو في وضع أفضل ممن سيقوم بالحصول على عقد جديد هذه الأيام، وسيدفع بالضرورة تكاليف أكثر على شكل أقساط شهرية نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة من جهة، ونتيجة تحوط البنوك من جهة أخرى، أضف إلى ذلك ارتفاع نسبة التضخم العام للأسعار وبالتالي لا شك أن من يتجه للتمويل العقاري في هذه الفترة سيواجه تحديات كبيرة، عدا أن هناك بصيصا من الأمل في احتمال انخفاض أسعار العقارات نتيجة تناقص الطلب من جهة ونتيجة المفعول المأمول لبعض القرارات الحكومية والبرامج المتعلقة بمعالجة مشكلة السكن في المملكة.
أما عقود الإجارة متغيرة الفائدة، فهي الخيار الأفضل في الأغلب لمعظم الناس والسبب هو أن عملية تسعيرها من قبل البنوك أكثر عدالة نتيجة عدم حاجة البنوك إلى التحوط برفع تكلفة التمويل بشكل كبير. ورغم ذلك لم تكن تجربة هذا النوع من العقود في 2018 جيدة، حين ارتفعت أسعار الفائدة لفترة قصيرة فارتفعت مبالغ الأقساط الشهرية على المقترضين، ما أدى إلى امتعاض كثيرين منهم ورفضهم هذا النوع من العقود. بعض البنوك المحلية تقدم عقود إجارة وتستخدم أساليب الفائدة المتغيرة الأمريكية للقروض العقارية، وهي طريقة هجينة يكون فيها العقد ثابتا لعدة أعوام ومن ثم يتحول إلى متغير، وغالبا المدة الثابتة تكون إما خمسة وإما سبعة أو عشرة أعوام، حيث لا تتغير الفائدة لأول خمسة أعوام، على سبيل المثال، وبالتالي تكون مغرية وآمنة إلى حد كبير للمقترض، ومن ثم فيما بعد ذلك يتم تغيير سعر الفائدة كل ستة أشهر أو كل عام تماشيا مع حركة مؤشر معين وبمقدار محدد مسبقا.
ميزة استخدام عقود الإجارة في المملكة هي أن البنك المركزي يلزم البنوك بقبول السداد المبكر لهذه العقود ويمنح البنوك كحد أقصى فائدة الأشهر الثلاثة اللاحقة ليوم سداد القرض، وبالتالي يستطيع المقترض التخارج من العقد في حال ارتفعت أسعار الفائدة بشكل كبير. كما أن بعض العقود متغيرة الفائدة تحتوي على حد أعلى لمقدار الفائدة التي يمكن أن يصل إليها العقد، وجميع هذه الأساليب الهدف منها تخفيف المخاطرة على كل من المقرض والمقترض.
عقود الإجارة عموما تكون أفضل للشخص الذي يخطط لبيع العقار خلال أعوام قليلة، لأنه حتى إن ارتفعت أسعار الفائدة فسيقوم ببيع العقار والتخلص من القرض، وبالتالي يستفيد من تدني تكلفة الاقتراض بسعر فائدة متغيرة على المدى القريب.
ختاما، ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر بشكل سلبي في تكلفة التمويل العقاري، سواء بالمرابحة أم الإجارة، إلا أن الذي يحصل عندما يزداد الغموض نحو مستقبل أسعار الفائدة هو أن تقوم البنوك بالتحوط من خلال رفع أسعار عقود المرابحة بشكل كبير، بينما في عقود الإجارة لا حاجة هناك إلى التحوط كون سعر العقد سيتغير مع أسعار الفائدة صعودا أو هبوطا.
نقلا عن الاقتصادية
مقال مفيد جدا, مشكور. ولو تكرمت يا دكتور أيش العلاقة بين رفع الفائدة وبين إيرادات الإيجار العقارية سواء السكنية أو التجارية؟ يعني هل تأثير رفع الفائدة بيكون إيجابي أم سلبي على أيرادات قطاع الريت؟ ولك كل الشكر والإحترام
رفع الفائدة سلبي على جميع النشاطات الاقتصادية، بما في ذلك الريتات، ولكن فيه تفاصيل: (1) إذا الاقتصاد سينتعش، تأثير الفائدة يتلاشى، (2) فيها ريتات انتهت من الاقتراض قبل فترة وانكشاف قروضها متبقي عليه سنتين وأكثر، وهذي وضعها أفضل، (3) فيها ريتات تركيزها على التأجير وانتهت من الاستحواذات، هذي كذلك وضعها جيد، (4) الريتات التي أمامها اقتراض وتطوير وضعها أضعف من الآخرين، و (5) كثير من الريتات صححت قبل السوق وبعضها بهبوط كبير وهذي تدرس وتكون مرشحة للشراء.