القمح الهندي

16/05/2022 0
د. عبدالله الردادي

رغم مساحتها الشاسعة، وأرضها الزراعية الخصبة، ومحاصيلها الهائلة، فإن الهند ولسنوات طوال، لم تستطع منافسة غيرها من الدول في تصدير القمح. وفي ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا اللتين تشكلان سويا ثلث الإنتاج العالمي من القمح، وجدت الهند فرصتها في الحصول على حصة من سوق القمح العالمية، واستطاعت خلال العام 2021 - 2022 تصدير 7.85 مليون طن من القمح، بزيادة تاريخية، بعد أن صدرت العام السابق له نحو 2.1 مليون طن فقط! وصدرت الهند في شهر أبريل (نيسان) لوحده 1.4 مليون طن، مقارنة بأقل من 250 ألف طن في نفس الشهر من العام السابق.

ونتيجة لهذه الزيادة التاريخية، زاد طموح الحكومة الهندية في زيادة صادراتها من القمح، فأعلنت عن خطة يوم الخميس السابق باستهداف تصدير 10 ملايين طن هذا العام، وبدأت في إرسال وفود إلى عدد من الدول منها المغرب وتونس والجزائر ولبنان لتسويق صادراتها من القمح، وبدأت في استقبال طلبات من دول لأول مرة على الإطلاق، منها تركيا، ومصر التي تعد الدولة الأولى المستوردة للقمح في العالم بواردات تزيد على 6 ملايين طن سنوياً! وفاخر الإعلام الهندي بأن الهند تمكنت من إنقاذ العالم من أزمة غذائية تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، وهوجمت بعض وسائل الإعلام الغربية التي اتهمت الهند بالتخاذل في تصدير المواد الدوائية في بداية الجائحة، كما وجد الإعلام الهندي في هذا الإنقاذ ردا على الدول التي استنكرت عدم إدانة الهند لروسيا، موضحا أن الهند لا تهتم بالتصريحات السياسية، بل تساهم بشكل فعلي في التوازن العالمي بتصدير القمح.

ولكن الهند، وهي ثاني أكبر منتج للقمح في العالم بعد الصين، تستهلك معظم الذي تصدره. وفيما بَنَت الحكومة مستهدفاتها على التوقعات بإنتاج نحو 111 مليون طن العام المقبل، تفاجأت الحكومة بموجة حر عاتية، أضرت بالمحاصيل الزراعية، وتسببت في خفض توقعات الإنتاج إلى 95 مليون طن. لتواجه البلد ارتفاعا في أسعار القمح بنحو 20 في المائة، في وقت وصل مستوى التضخم إلى 7.79 في المائة وهو أعلى مستوى منذ أكثر من ثماني سنوات، وبدا أن البلد المصدر للقمح، قد يواجه أزمة في ارتفاع أسعاره محليا، وصعوبة في حصول الطبقة الفقيرة عليه بسبب نقصه في الأسواق.

وضعت موجة الحر هذه حكومة الهند بين المطرقة والسندان، فهي أعلنت للتو عن مستهدفها لزيادة صادرات القمح لمستويات غير مسبوقة، ولكنها أيضا أمام مسؤولية إطعام أكثر من مليار هندي. ولذلك، وبعد أقل من يومين من إعلان مستهدفها لزيادة صادرات القمح، منعت الحكومة الهندية من تصدير القمح وبشكل فوري بهدف التحكم في أسعاره وضمان حصول الطبقة الفقيرة في الهند على القمح بأسعار معقولة. لتنضم بذلك إلى 22 دولة أخرى اتبعت سياسة الحماية الغذائية بمنع بعض صادرات الأغذية لضمان حصول شعوبها على الأغذية، مثل الأرجنتين وكازاخستان وإندونيسيا وروسيا وأوكرانيا.

وفيما قد يكون قرار الهند مبررا، إلا أنه قد يكون مدفوعا بأسباب سياسية، والمثال على ذلك هو إندونيسيا التي منعت صادرات زيت النخيل الشهر الماضي، وقد صرح الرئيس الإندونيسي (جوكو ويدودو) الشهر الماضي أنه من المفارقة ألا يتمكن الشعب الإندونيسي من الحصول على زيت النخيل وبلاده أحد أكبر المصدرين له. بعد هذا القرار، أظهرت الاستبانات زيادة شعبية الرئيس الإندونيسي بأربع نقاط مئوية. ولتوضيح موقفها، فقد وضحت حكومة الهند أنها ستستجيب لطلبات التصدير للدول التي قد تتعرض لنكسات في حال أوقفت الهند صادراتها بالكامل. إحدى أهم هذه الدول هي بنغلاديش التي استوردت العام الماضي نحو نصف صادرات الهند من القمح. وليست الدول العربية في مأمن من هذه الأضرار، فكل من عمان والإمارات وقطر تستورد القمح من الهند، وإن كانت هذه الصادرات لا تمثل نسبة عالية من صادرات القمح الهندي. ويبدو أن العالم الآن متخوف من أن الهند وكما أوقفت تصدير غذائها الثاني، أن توقف صادرات أخرى مثل الأرز وهو غذاؤها الأول.

إن سياسة الحماية الغذائية التي تتبعها الدول بعد الحرب الروسية الأوكرانية، هي ذات السياسة التي اتبعتها الدول أثناء الجائحة في صناعاتها، ولم ينس العالم بعد سطو بعض الدول على حمولات الكمامات والمعقمات والإبر الطبية. والنتيجة في الحالتين، ارتفاع الأسعار بشكل حاد، وزيادة التضخم في الدول المتضررة. تكرر هذه السياسة لمرتين خلال أقل من ثلاث سنوات يعزز من توجه الحرص على الأمن الغذائي، وبناء التحالفات الاستراتيجية التي تمكن الدول من تأمين احتياجاتها الأساسية من الأغذية والمنتجات الطبية وغيرها من السلع الضرورية، مهما كانت التقلبات التي يشهدها العالم.

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط