معلوم أن معدلات الفائدة رفعت حديثا. كما أنه معروف أن معدلات الفائدة interest rates الحالية متدنية. لكن العالم يعاني تضخما. ومن أهم أدوات مكافحة هذا التضخم رفع معدلات الفائدة. الرفع يخفض الطلب على النقود، فالطلب على السلع والخدمات، ما يضغط تجاه خفض التضخم. وهذا ما تعمل عليه حاليا وبصفة عامة البنوك المركزية في العالم، وعلى رأسها مجلس الاحتياطي الأمريكي FED.
خفض معدلات الفائدة في الأعوام القريبة الماضية بسبب حصول ظروف تسببت في ضعف اقتصادي عالمي. الخفض يحفز على زيادة الحصول على قروض أو تمويلات. وتبعا يزيد الإنفاق، ما يحفز على نمو الاقتصاد. لكن لكل سياسة ثمن. زيادة الإنفاق تعني زيادة الطلب. وهذا عامل أساسي في ارتفاع الأسعار، أي التضخم. وللعلم، انخفض معدل الفائدة إلى نحو صفر في المائة أواخر عام 2008 إبان الأزمة المالية العالمية. ثم رفع قليلا لاحقا.
نظرا لأن سعر صرف الريال مثبت بالدولار، فإن معدل الفائدة على الريال تابع للمعدل على الدولار. ورفع البنك المركزي السعودي - قبل أيام - معدل الريبو من 1.25 إلى 1.75 في المائة، ورفع الريبو العكسي من 0.75 إلى 1.25 في المائة، أي: 50 نقطة. قرار المؤسسة جاء بعد أن رفع مجلس الاحتياط الاتحادي "الفيدرالي أو البنك المركزي" الأمريكي سعر الفائدة بالنسبة نفسها.
ريبو repo تعني اتفاقية إعادة الشراء. عملية بموجبها تبيع أطراف "عادة البنوك" سندات لديها تبيعها (عادة) على البنك المركزي للحصول على سيولة فورية، مع تعهد بإعادة شرائها بسعر متفق عليه مسبقا. وسعر الفائدة الذي تتم بموجبه الاتفاقية يسمى معدل ريبو. وللبنك المركزي تسمى الريبو العكسي.
كيف يحسب التغير في الفائدة؟ باستخدام أداة حسابية تسمى النقطة المئوية basic point، وتساوي جزءا من 100 جزء من واحد في المائة. أي: إن 100 نقطة = 1 في المائة. وعلى هذا، فرفع سعر الفائدة مثلا من واحد إلى واحد ونصف في المائة يعني: رفعها 50 نقطة.
هل في الطريق توجه لمزيد رفع لمعدلات الفائدة؟ النية قائمة بزيادات أخرى قريبا. ذلك أن معدلات الفائدة مازالت متدنية رغم ما صار من رفع. وللمقارنة كانت أعلى بمرات قبل أعوام.
تأثيرات الرفع عالميا: الرفع الحالي بسيط نسبيا، ولذا تأثيراته بسيطة نسبيا. لكن ليس من السهل نظريا، أي بمجرد المناقشة النظرية تحديد الأثر نهائيا، بل لا بد لاحقا من دراسة البيانات بعمق باستخدام أدوات الاقتصاد القياسي.
لماذا ليس من السهل التنظير في موضوعنا؟ لوجود عوامل متداخلة في القوة والتأثير تتطلب عمق بحث ونظر. وأضرب مثالا. ارتفاع الفائدة على عملة كالدولار يضغط عادة زيادة الطلب على الدولار، وارتفاع سعر صرفه. هذا يجعل صادرات أمريكا أغلى نسبيا في أسواق الدول المستوردة التي انخفضت عملاتها مقابل الدولار. لكن قد تسبب قوة المنافسة في أسواق الدول المستوردة إلى صعوبة رفع سعر صادراتها، ما يدفع دولة التصدير إلى خفض سعر التصدير. خفض السعر له تبعاته، فقد يؤدي إلى محاولة خفض تكاليف الإنتاج كأجور اليد العاملة، وهكذا في سلسلة تفاعلات. عموما سأحاول ذكر صافي تأثيرات.
تزيد تكلفة الاقتراض على المقترضين وتزيد العوائد للمدخرين. لكنها زيادة بسيطة.
ارتفاع الفائدة الأمريكية يجعل الأصول الاستثمارية بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين في أنحاء العالم. ويدفع الدولار إلى الارتفاع. وهذا يزيد تكلفة صادرات أمريكا، ويخفض تكلفة وارداتها.
على الاقتصاد السعودي: ارتباط وتثبيت الريال بالدولار يفرض عليها أن تتخذ خطوات مماثلة لخطوات البنك المركزي الأمريكي. والتأثيرات في الاقتصاد الأمريكي تشابه التأثيرات في الاقتصاد السعودي. لكن من المهم تأكيد اختلاف في بنية الاقتصادين الأمريكي والسعودي.
ارتفاع سعر الفائدة يقود إلى خفض الاستهلاك والاستثمار بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويل الاستهلاك والاستثمار. لكن تأثير ارتفاع سعر الفائدة في الاستثمار ليس بقوي في السعودية، لأن حجم القطاع الخاص في الاقتصاد أصغر مقارنة بأمريكا مثلا. ومن ثم فانخفاض الطلب الكلي ليس بقوة ما يحصل في أمريكا مثلا. وسبق لي أن درست سلوك الاستهلاك في السعودية عبر دراسة سلسلة زمنية طويلة، باستخدام أدوات الاقتصاد القياسي. ونشرت الدراسة قبل 20 عاما. مما بينته الدراسة أن تأثير سعر الفائدة في سلوك المستهلكين السعوديين أقل مما كان يتوقع.
رفع معدل الفائدة حاليا أثره ضعيف في نمو الناتج المحلي الإجمالي السعودي بسبب عوامل أخرى معاكسة التأثير، كزيادة الإنفاق الحكومي، وانخفاض العجز. وهذه لها أثر إيجابي في نمو الاقتصاد.
تأثيرات في بعض الاقتصادات والسلع والأسواق: رفع سعر الفائدة على الدولار يزيد من الطلب عليه، ومن الطلب على الاستثمار في أمريكا. ومقابل زيادة جاذبية الأصول الاستثمارية بالدولار للمستثمرين في أنحاء العالم، تقل (طبعا بصورة نسبية) جاذبية الاستثمار في اقتصادات أخرى.
ماذا بشأن سعر الذهب؟ ينخفض سعر الذهب عادة مع رفع الفائدة، إذ يصبح الاحتفاظ بالذهب أقل جاذبية للمستثمر.
ماذا بشأن أسواق الأسهم؟ استفاد المستثمرون في أسواق الأسهم على مدى الأعوام الماضية من خفض سعر الفائدة إلى الصفر تقريبا، وتوافر السيولة (طبعت كميات هائلة من الدولارات). ويتوقع حدوث تغير نسبي في هذه الاستفادة مع رفع الفائدة وانخفاض السيولة.
البنوك المركزية لدول كبيرة غير أمريكا: خلافا لأمريكا، تميل بنوك مركزية لدول كبيرة ذات عملات غير مثبتة بالدولار، إلى رفع معدلات الفائدة، من أشهر الأمثلة البنك المركزي الأوروبي. ووجود تباين بين الدول في تفاصيل الرفع له آثار متفاوتة القوة بين الدول، لكنها آثار ليست قوية بصفة عامة.
نقلا عن الاقتصادية