نحن في عصر يكاد ينتهي فيه التأمل والتفكير، وتختفي الخلوة بالنفس لدى السواد الأعظم من الناس: الكل مكبون على هواتفهم المحمولة يعيشون في عالمٍ افتراضي يخطف الإنسان من نفسه، ويأخذ جل وقته، وأكثر ما يتم متابعته نُتف لا تُغني ولا تُسمن، ونُكت سطحية، ومقاطع مصطنعة، وحوارات مُبتذلة، وسائل التواصل الاجتماعي قضت تقريبًا على الخلوة بالنفس، وأتت على التأمل والتفكير، وعزلت الإنسان المعاصر عن الاجتماع الحقيقي، وربما عن نفسه، جعلته يهيم في عالمٍ وهمي، يصحبه معه حتى في سريره، وربما حلم به في نومه.
أذهب أحيانًا إلى استراحة صديق مُسن كريم، يجتمع فيها عدد كبير، كان يقول لي في الأيام الأولى: انظر للحاضرين لا أدري لماذا يجتمعون وكل واحد منهم مكب على جواله مشغول به، ذاهلون لا يتحادثون ولا يتكلمون، وأحيانًا يضحك الواحد منهم وحده كالمجنون.. الرجل المسن لا يوجد لديه هاتف ذكي، ولا يعرف شيئًا عن وسائل التواصل.. أخرجت هاتفي وحاولت أن أشرح له الحكاية لكنه قال: لنفرض! العقل أن يتحدثوا مع بعض ويأنسوا إذا اجتمعوا، ويتركوا جوالاتهم حتى ينفردوا بأنفسهم، قلت: لماذا لا تقتني الهاتف الحديث؟ قال: هاتفي القديم يكفيني، لا أريد منه إلا المكالمات ورسائل البنك عن الأسهم والإيداع، قلت في الهاتف الحديث تأتيك أخبار الأسهم، نفض يده وقال لا أريدها، أنا أشتري أسهم الشركات التي أعرفها وأعتبرها مثل النخل أخرف منها.. لا وهي أحسن من النخل لا تحتاج العمل ولا التلقيح وتتوالد مع السنين… وباقي وقتي أقضيه في عبادة ربي ثم في مسامرة ربعي ومحاسبة نفسي.. ما أريد الانقطاع للجوال كهؤلاء الشباب فهم اعتزلوا الحياة الحقيقية والقدرة على الخلوة بالنفس.. قلت معك حق يا صديقي لكن لكل جيل أسلوب حياة جديد..
نقلا عن الرياض
كلام جميل جداً