رمضان واقتصادات الاستهلاك

31/03/2022 1
طلعت بن زكي حافظ

تفصلنا بضعة أيام عن حلول شهر رمضان الفضيل، والذي عادة ما يشهد فيه إقبال كبير غير مسبوق على شراء السلع والخدمات عموماً، والسلع الغذائية والتموينية خصوصاً مقارنة بشهور العام الأخرى، ما يتسبب في ارتفاع الأسعار في الأسواق، وبالذات وأنه يعقب هذا الشهر الفضيل مباشرة حلول مناسبة إسلامية عظيمة أخرى على كافة المسلمين بأنحاء العالم، وهي عيد الفطر المبارك.

سبق وأن ذكرت بإحدى مقالاتي بهذه الصحيفة، وفقاً لإحصائية رسمية صادرة عن وزارة البيئة والمياه والزراعة، أن كمية الهدر الغذائي في المملكة تبلغ حوالي أربعة ملايين و66 ألف طن سنوياً، وأن القيمة الإجمالية للهدر في بند الاستهلاك الإنفاقي في المملكة تقارب 40 مليار و480 مليون ريال سنوياً أيضاً، في حين تبلغ نسبة الغذاء المهدر أكثر من 18%.

أكاد أن أجزم أن معظم هذا الهدر مسؤول مسؤولية مباشرة عنه استهلاكنا غير المرشد وغير المقنن للغذاء في شهر رمضان، سيما وأن استهلاك المواد والسلع الغذائية بالشهر الكريم يعادل استهلاك ثلاثة أشهر من العام، إن لم يكن أكثر من ذلك، هذا بالإضافة إلى ما تساهم فيه ظاهرة الهياط والفشخرة الاجتماعية في إعداد مواد الطعام للضيف.

ولكم أن تتخيلوا إعزائي القراء، ما ينطبق على هدرنا الغذائي، ينطبق كذلك على أشياء أخرى كثيرة وعديدة في بلادنا، منها المياه، حيث يستهلك الفرد في السعودية حوالي 261 ليتر يومياً من المياه والذي يساوي ضعفي استهلاك الفرد الأوروبي، وما ينطبق على واقع الحال في المياه، ينطبق أيضاً على الطاقة والكهرباء وعلى غيرها من الموارد الاقتصادية الهامة والحيوية التي وللأسف الشديد إما بعض مصادرها قابلة للنضوب أو أنها غير متجددة كالمياه.

هناك إحصائية أخري، تشير إلى أن المملكة تُعد من أعلى دول العالم استهلاكاً للحوم الدواجن، حيث يبلغ استهلاك الفرد في السعودية من الدواجن نحو 50 كلغ سنوياً، ما يجعل من المملكة أن تحتل الترتيب الثالث عالمياً في نسبة استهلاك الفرد للحوم الدواجن، كما ويصل حجم استهلاك المملكة من الدجاج إلى نحو 1.38 مليون طن سنوياً، مما يجعلها الأولى عربياً في انتاج الدواجن في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الاكتفاء الذاتي من الدجاج اللاحم نسبة 60%.

هذا الاستهلاك المفرط للسلع والمواد الغذائية غير المرشد، سواء في شهر رمضان أو في غيره من شهور العام، سيتسبب شئنا ام أبينا في ارتفاع أسعار السلع الغذائية في المملكة بنسبة تقدر بنحو 2.6%، سيما وأن ذلك الارتفاع يتزامن مع ارتفاع عام في مستوى السلع الغذائية على مستوى العالم، بسبب الأحداث الجيوسياسية والأزمات العالمية التي عادة ما تسبب في حدوث اضطراب في سلاسل الامداد وفي ارتفاع أسعار الشحن والتامين وخلاف ذلك من الارتفاعات، حيث على سبيل المثال لا الحصر، بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الغذاء الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة الـ (فاو) 140.7 نقاط في فبراير 2022، بزيادة قدرها 5.3 نقاط (أي 3.9%) عن مستواه المسجل في شهر يناير من نفس العام.

دون أدنى شك بأن الأحداث الدائرة حالياً بين روسيا وأكرانيا سوف تلقي بظلالها على أسعار الحبوب، مثل القمح والذرة وبالذات في حال استمرارها لفترة أطول مما مضى من الوقت منذ بدايتها في 24 فبراير الماضي، وما يؤكد على ذلك ارتفاع متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب بــ 144.8 نقاط في شهر فبراير الماضي، بزيادة 4.2 نقاط (أي 3.0 في المائة) عن مستواها في الشهر الذي سبقه.

علماء النفس وخبراء التسويق، ينصحون لتفادي تداعيات ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية في الأسواق، سواء في شهر رمضان أو في غيره من أشهر العام، اللجوء إلى السلع البديلة، التي قد تكون أسعارها أقل بكثير مقارنة بأسعار العلامات التجارية المشهورة والمعروفة ولكنها تحتوي على نفس القيمة الغذائية. وينصحون أيضاً بعدم التسوق في حال أن يكون الشخص جائع ومعدته فارغة، لأن ذلك قد يكون مدعاة للشراء المفرط وغير المبرر، وأيضاً من الضروري جداً الشراء وفق قائمة مشتريات معدة مسبقا تجنباً لئلا يتم الشراء بشكل عشوائي وارتجالي، لينتهي الأمر بالشراء وفقاً لما يعرف مصطلحاً بالشراء "النزوي أو التلقائي"، الذي يعني شراء سلع لم تكن في ذهن المشتري من الأساس قبل دخوله للمتجر أو للسوق.

أخيراً وليس آخراً يُنصح بالاستفادة من قسائم وكوبونات التخفيضات لما تحدثه من وفر اقتصادي ومالي وتخفيف من الضغط المالي على ميزانية الأسرة، وكذلك عدم اللجوء في معظم الأحيان إلى شراء الكميات، وبالذات بالنسبة للأسر الصغيرة من حيث عدد الأفراد، تجنباً لئلا ينتهي معظمها إلى صناديق النفايات، بسبب إما انتهاء الصلاحية أو فسادها، بالذات في حال الخضروات.

إن سلوك الشراء السليم، سيوفر على الأسرة الكثير من الأموال، وسيحافظ أيضاً على الموارد الاقتصادية من النضوب أو أن تكون عرضة للشح لا سمح الله، وكذلك سيكفل لنا الاستمرار في تحقيق الأمن الغذائي في المملكة، وأخيراً تحقيق وفورات مالية لخزينة الدولة، التي تنفق سنوياً في شكل دعم للسلع بكل أنواعها؛ الغذاء والغاز والوقود والكهرباء والمياه ما يزيد على 300 مليار ريال.

لعلي لا أجد ما اختم به مقالي هذا أفضل من الآية القرآنية الكريمة التي وردت بصورة الأعراف؛ "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" صدق الله العظيم.

دمتم بود ورمضان كريم وكل عام وانتم بخير.

 

نقلا عن الرياض