مدى استعداد أوروبا التخلي عن النفط الروسي

31/03/2022 0
د. نعمت أبو الصوف

يستمر النقاش في الاتحاد الأوروبي حول إمكانية التخلي عن النفط الروسي. في هذا الجانب، تتخذ بولندا ودول البلطيق موقفا راديكاليا. في حين أن ألمانيا وهولندا أكثر تحفظا. في وقت سابق من الأسبوع الماضي، اجتمعت دول الاتحاد الأوروبي لمناقشة فرض حظر على النفط الروسي، لكن المناقشات فشلت بشكل غير مفاجئ حتى الآن في التوصل إلى اتفاق بشأن مثل هذه الخطوة.

في عام 2019، زودت روسيا 29 في المائة من واردات أوروبا من النفط الخام، و51 في المائة من واردات المنتجات النفطية، وهو العام الأخير قبل الوباء، وفقا لبيانات شركة بريتيش بتروليوم. لم يقترب أي شريك تجاري آخر من حصة روسيا، ما يجعل من الصعب للغاية استبدالها على المدى القصير. يمثل هذا أكثر من 4.5 مليون برميل يوميا من الهيدروكربونات السائلة، وحظره سيكون مثل إطلاق الاتحاد الأوروبي النار على نفسه، وهو الأمر الذي قال عديد من المسؤولين الأوروبيين: إن الاتحاد يحاول تجنبه تجاه روسيا.

علاوة على ذلك، الاعتماد على المنتجات النفطية أعلى، على سبيل المثال، تبلغ حصة وقود الديزل من روسيا نحو 70 في المائة. أكبر مشتر للهيدروكربونات السائلة من روسيا هي ألمانيا "840 ألف برميل يوميا" وهولندا "750 ألف برميل يوميا" وبولندا "510 آلاف برميل يوميا". وتمثل إمدادات النفط الخام الروسي أكثر من 50 في المائة من واردات سلوفاكيا، ليتوانيا، فنلندا، المجر وبولندا. تحتل الإمدادات الروسية من المنتجات البترولية أكثر من 50 في المائة من واردات فنلندا، بولندا، وليتوانيا.

إذا دخل الحظر على النفط الروسي حيز التنفيذ، فقد تواجه المصافي الأوروبية عجزا يراوح بين 1.5 مليون و2.0 مليون برميل يوميا عام 2022. وسيكون العجز العالمي للمصافي أقل بقليل من ثلاثة ملايين برميل في اليوم. على المدى القصير، تتمتع الهند بوضع جيد لاستيعاب المنتجات النفطية، ومن المتوقع أيضا أن تزيد الصين عمليات تشغيل المصافي في النصف الثاني من هذا العام. ومما يزيد الضغط على المصافي الأوروبية، الظروف المناخية الأخيرة في البحر الأسود التي أضرت بالبنية التحتية لتحميل النفط من خطوط أنابيب بحر قزوين CPC. قد تنخفض الصادرات من هذا الأنبوب بما يصل إلى مليون برميل في اليوم بسبب الظروف المتعلقة بالطقس. من المقرر أن تستمر الإصلاحات لمدة تصل إلى شهرين.

قبل الأزمة الأوكرانية كانت أسواق النفط العالمية متشددة، ومخزونات النفط أقل من متوسط الأعوام الخمسة قبل الوباء وتتجه نحو الانخفاض. حتى لو تسبب فرض حظر أو عقوبات أخرى في انخفاض طفيف فقط في صافي الصادرات الروسية، لا يزال يوجد هذا مخاطر عالية لارتفاع الأسعار.

في عام 2019، شكلت صادرات روسيا إلى أوروبا أكثر من 6 في المائة من إجمالي النفط الخام المتداول في العالم، وأكثر من 8 في المائة من جميع منتجاتها المتداولة عالميا، وفقا لبيانات من شركة بريتيش بتروليوم. إن إعادة برمجة مثل هذه الحصة الهائلة من التجارة العالمية في غضون بضعة أسابيع أو أشهر من شأنه أن يوجد اضطرابا هائلا، سيظهر عجز في العرض في مكان ما من العالم، على سبيل المثال، في آسيا. لذلك فإن النفط الروسي سيجد مشتريه بأي حال من الأحوال. الإرادة السياسية وحدها لا تكفي لسد الصادرات الروسية، التي لا يزال هناك ما يحل محلها، رغم جهود الطاقة الخضراء.

من الناحية النظرية، يمكن أن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى موردين آخرين للنفط، مثل دول الخليج العربي والعراق، ويمكن لروسيا إعادة توجيه تدفقات النفط إلى آسيا. قد يناسب هذا كلا الجانبين، رغم عدم وجود تأثير للعقوبات في روسيا هنا، ما يعني لا معنى لهذا التحول. لكن هذه ليست الصعوبة الوحيدة. من الناحية العملية، تواجه أسواق النفط قيودا كبيرة تتعلق بالبنية التحتية.

النفط الخام لا يستخدم مباشرة كوقود. أولا، يجب تحويله إلى منتجات في المصافي. تركز كل مصفاة على خصائص نفط معينة. إذا اختلفت معايير النفط الخام بشكل كبير، فإن المصفاة ستنتج نسبا أخرى من المنتجات النفطية، وتظهر كفاءة أقل أو حتى تفشل. لذلك، لا يمكن استبدال النفط الروسي من الأورال بنفط بديل، وليس كل أنواع النفوط مناسبة لذلك. ثانيا، يجب تسليم النفط إلى المصافي. يمكن القيام بذلك عن طريق خطوط الأنابيب، عن طريق الناقلات أو في الحاويات عن طريق السكك الحديدية. يمكن أيضا التسليم عن طريق البر بالسيارات الحوضية، لكن هذا مناسب فقط للأحجام الصغيرة، ويتم تطبيقه عادة على المنتجات النفطية.

منذ أعوام جرى العمل على تحسين البنية اللوجستية لتسليم النفط من روسيا إلى أوروبا وحل الاختناقات في سلاسل التوريد، إعادة هيكلة المصافي الأوروبية للإمدادات من مصادر أخرى وإعادة توجيه الإمدادات الروسية إلى آسيا مهمة طويلة ومكلفة. من الضروري إبرام عقود طويلة الأجل مع الأطراف المقابلة الجديدة، وتحديد الجهة ومن أي ميزانية ستدفع لإعادة هيكلة سلاسل التوريد اللوجستية، إذا لزم الأمر، وبناء بنية تحتية جديدة وتصحيح مسار إمداد جديد بشكل مباشر.

على خلفية ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية تجاوزت 120 دولارا للبرميل، مع الأخذ في الحسبان حجم تجارة النفط ومشتقاته بين روسيا والاتحاد الأوروبي، من الصعب تصديق أن في غضون عام ستكون الدول الأوروبية قادرة على التخلي عن أي كميات كبيرة من النفط الروسي. بالطبع، قد يتخلى بعض الدول التي تشتري كميات صغيرة من النفط من روسيا ولديها محفظة متنوعة من الموردين ضمن سياستها التجارية. يمكن حتى أن نفترض أن هذا لن يكون انتقالا تدريجيا، بل سيكون انتقالا أسرع وأكثر حسما.

لكن في سوق شديدة الحساسية لنقص الإمدادات، يمكن أن تؤدي مثل هذه الإجراءات إلى تفاقم حالة الأسعار في سوق النفط وتؤدي إلى ارتفاعات جديدة في الأسعار ستكون غير مربحة للغاية لجميع المستهلكين. وبالنسبة للمنتجين هذا ليس جيدا أيضا، لأن مثل هذه الأسعار العالية قد تضغط على الطلب وتوجد حافزا للدفع السريع لتطوير الطاقة البديلة. علاوة على ذلك، من الناحية الاقتصادية، يعد هذا الأمر في غاية الأهمية، ومن الصعب في الوقت الراهن اتخاذ قرارات متسرعة بناء على الأجندة السياسية فقط. لذلك، مع محدودية الطاقة الإنتاجية الاحتياطية المتوافرة عالميا، توصل الاتحاد الأوروبي إلى أن مخاطر الأسعار من حظر صادرات النفط الروسية مرتفعة للغاية، وتراجعوا عن الفكرة في الوقت الحالي.

 

نقلا عن الاقتصادية