رفع قدرة القطاع الخاص على التوطين وخفض البطالة

30/03/2022 1
عبد الحميد العمري

أثمر تمكن القطاع الخاص من النمو الحقيقي بنسبة 6.2 في المائة خلال العام الماضي، عن قدرته على رفع معدل توطين الوظائف لديه بنسبة وصلت إلى 10.0 في المائة، ووصوله بأعداد العمالة المواطنة لديه إلى أعلى رقم تاريخي له عند 1.92 مليون عامل، رافعا معدل التوطين بنهاية العام الماضي إلى 23.8 في المائة، ما أسهم مجتمعا بدوره في استمرار تراجع معدل البطالة بين المواطنين إلى 11.3 في المائة، حسبما أظهرت نشرة سوق العمل المحلية عن الهيئة العامة للإحصاء نهاية الربع الثالث من العام الماضي، والمتوقع صدور نشرة الربع الرابع من عام 2021 التي ستظهر الأثر كاملا على للنمو الأعلى في معدل التوطين منذ عام 2016.

يعتمد نجاح القطاع الخاص في الوفاء بمسؤولياته تجاه خفض معدل البطالة وزيادة قدرته على التوطين، على عديد من العوامل، لا شك أن نموه الحقيقي المطرد يأتي في مقدمة تلك العوامل، فكلما تمكن من النمو وتحقيق التوسع في نشاطاته وازدهارها، جاءت نتائجه إيجابية على زيادة معدلات التوطين. أما العامل المهم الآخر، فيتمثل بكل تأكيد في حيوية ومرونة برامج التوطين، التي شهدت أيضا تغيرات نوعية وكمية بالغة الأهمية خلال العام الماضي، وأسهمت تلك التغيرات بدورها في الدفع سريعا بمعدلات التوطين نحو النمو المتسارع الذي شهدته سوق العمل المحلية، وعلى أنها ما زالت في منتصف الطريق إلى صورتها النهائية قبل نهاية العام الجاري، إلا أن ما تم إجراؤه من تحسينات على برامج التوطين حتى تاريخه، لعب أدوارا مهمة في تحقيق ما تم إنجازه على طريق رفع معدلات مشاركة العمالة المواطنة في سوق العمل المحلية، وزيادة معدلات التوطين، وأيضا زيادة مشاركة المرأة السعودية في الوظائف.

بالنظر إلى هذين العاملين الرئيسين، ودورهما في رفع قدرة القطاع الخاص على التوطين وخفض معدل البطالة، والتركيز هنا بدرجة أكبر على العامل الأول المتمثل في نجاح القطاع على تحقيق معدلات نمو حقيقية مطردة، والبحث في قنوات دعم وتحفيز الطرق المؤدية إلى تلك النتيجة المأمولة، والعمل من ثم على توفير وتسهيل الوصول إلى تلك المحفزات الرئيسة لها، فإن النتائج الواعدة هي ما سيكون في انتظارنا جميعا في نهاية الطريق، ومن أهمها ما يتعلق بزيادة معدلات التوطين وخفض معدل البطالة بكل تأكيد. والقطاع الخاص الذي يمثل هنا القطاع المنتج من الاقتصاد الوطني، وبما يشكله من مكونات تتوزع بين ثلاثة نشاطات اقتصادية رئيسة - زراعي، صناعي، خدماتي -، سيختلف بكل تأكيد حزم تحفيزاته حسب تنوع تلك النشاطات، وقد يكون النشاط الصناعي هو أكثر النشاطات نصيبا منها، قياسا على المبادرات التحفيزية العملاقة التي سخرتها وزارة الصناعة والثروة المعدنية لأجل المنشآت الوطنية العاملة في هذا النشاط، التي أسهمت في تحسن أداء هذا النشاط بدرجة كبيرة، خاصة خلال النصف الثاني من العام الماضي، ومكنته من النمو بنسبة 7.7 في المائة خلال الربع الثالث 2021، ثم النمو بمعدل أعلى خلال الربع الرابع 2021 بنسبة 9.5 في المائة، لينهي العام على نمو حقيقي وصل إلى 1.7 في المائة، مقارنة بتراجعه خلال 2020 بنسبة 6.0 في المائة. إلا أنه في المقابل لم تأت الزيادة في معدلات التوطين متوافقة مع هذا النمو المتحقق، حيث سجلت تراجعا أدنى من 10.0 في المائة على مستوى أداء العام كاملا، مقارنة بنموه بنسبة 1.5 في المائة خلال 2020، رغم تراجع النمو الحقيقي للنشاط بنسبة 6.0 في المائة، وهذا كله يختلف عما حدث في نشاط الخدمات، الذي حافظ على وتيرة نمو توطين الوظائف لديه طوال 11 عاما مضى، باستثناء التراجع الطفيف الذي طرأ عليه خلال 2018 بنسبة لم تتجاوز 0.2 في المائة، رغم أنه لم يحظ بالنصيب الوافر نفسه من التحفيزات التي حظي بها نشاط الصناعة.

تأتي الإشارة المهمة هنا فيما تقدم أعلاه، أن يتم العمل على ربط سلة التحفيزات المأمولة لمنشآت القطاع الخاص - على تنوع نشاطاتها - بعامل التوطين لديها، وهو المفتاح التنموي المهم المفترض وجوده في جميع سياسات وبرامج تحفيز القطاع الخاص، ولتأتي نتائج العوامل الأساسية التي تقف خلف تحقق النمو المستمر للتوطين، القائم على استمرار النمو الحقيقي للقطاع من جانب، وعلى تسارع مرونة وكفاءة برامج التوطين من جانب آخر، أؤكد لتأتي حاملة معها أكبر قدر من المكاسب التنموية، التي توفر النمو المستدام للاقتصاد الوطني بمساهمة كبيرة من نمو القطاع الخاص، وتوفر أيضا نموا مستداما ومتسارعا على طريق توطين الوظائف أمام الموارد البشرية المواطنة.

إنها المنهجية التي تستهدف أن يكون أكبر ما يحمله نمو القطاع الخاص هو النمو المطرد للتوطين، وأن يكون أول مكتسبات اتساع نشاطاته، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وعدا تلك المنهجية، فإن المكاسب المتحققة لن تأتي كاملة كما كان مأمولا أو مستهدفا من الجهود السخية التي سخرتها وبذلتها الدولة - أيدها الله -، وهنا يأتي التأكيد على الأهمية القصوى لسد أي فجوات قد تنشأ بين التحفيزات اللازمة لأي نشاط اقتصادي من جانب، ومن جانب آخر ما يتعلق بمسؤوليات التوطين وزيادة مشاركة الموارد البشرية المواطنة، ولتكون بذلك المكاسب المتحققة شاملة ومستدامة، تعم بنفعها الجميع دون استثناء لأي شريحة من المجتمع.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية