لماذا التقييمات العالية لشركات التقنية؟

27/03/2022 1
د. فهد الحويماني

في أوقات سابقة، كانت الشركات ذات القيمة العالية هي الشركات العاملة في الصناعة والنفط والرعاية الطبية والمنتجات الاستهلاكية والخدمات العامة، إلا أن ذلك بدأ بالتغير السريع والملحوظ منذ بزوغ شمس الإنترنت قبل نحو 30 عاما. ما سبب ارتفاع القيم التي تمنحها الأسواق للشركات التقنية، وبالذات تلك التي أصولها مجرد أدوات برمجية وحلول إلكترونية موجهة للأفراد أو الشركات أو الحكومات.

من المعروف أن أهمية الشركات التي تقدم الحلول الرقمية الجديدة، وبالذات تلك التي تعتمد على تقنية الإنترنت والهواتف الذكية والمنصات الرقمية، تكمن في كونها شركات لديها فرص كبيرة وواعدة في مستقبل يعتمد على التقنية والمعلومات، لا على المنتجات الملموسة التقليدية. هذه الأيام تقف في أعلى قائمة الشركات في العالم من حيث القيمة السوقية شركة أبل بقيمة 2.8 تريليون دولار، وهي ليست شركة برمجيات محضة إلا أن أجهزتها الحاسوبية وأجهزة الهواتف الذكية لديها تقوم على البرمجيات التي تصنعها الشركة وتعتمد عليها بشكل كبير. أما الشركات الثلاث التي تلي "أبل" في القيمة السوقية فهي شركات برمجية محضة، وهي على التوالي مايكروسوفت (2.2 تريليون دولار) وجوجل (1.8 تريليون دولار) وأمازون (1.7 تريليون دولار). ثم هناك شركات أخرى عديدة ومتنوعة في خدماتها كشركات التواصل الاجتماعي وشركات الاقتصاد التشاركي وشركات خدمات التوصيل والمناولة وغيرها، حيث يتمتعون جميعا بتقييمات عالية لا تعكس في الأغلب الواقع المالي الحالي للشركة من حيث المبيعات والربحية.

وجه الغرابة ليس في تمتع هذه الشركات بتقييمات عالية مقارنة بالشركات التقليدية، بل في حدة ارتفاع قيم هذه الشركات في الأعوام القليلة الماضية. فنجد أن شركات التقنية ارتفعت أسعار أسهمها بين ثلاث وخمس مرات في الأعوام الخمسة الماضية، بينما ارتفاع أسهم الشركات التقليدية أقل من ذلك بكثير. على سبيل المثال، ارتفعت أسهم شركة أبل نحو خمس مرات، رغم أن مبيعاتها وأرباحها ارتفعت بأقل من 50 في المائة خلال الفترة نفسها. وكذلك الحال في "جوجل" و"مايكروسوفت" وغيرها، هناك ارتفاعات بعدة أضعاف الارتفاعات المتحققة على صعيد الإيرادات والأرباح.

وفي المقابل، عند النظر إلى الشركات التقليدية الكبرى في الأعوام الخمسة الماضية نجد أن ارتفاع أسهمها متواضع نسبيا رغم أن نمو مبيعاتها وأرباحها شبيه بتلك الشركات التقنية التي تحقق ارتفاعات مهولة في أسعار أسهمها. على سبيل المثال، نجد أن أسهم شركة بيبسي كولا ارتفعت بأقل من 50 في المائة، وشركة بروكتور آند جامبل نحو 70 في المائة، وشركة جنرال موتورز نحو 30 في المائة، بينما نمو مبيعات وأرباح هذه الشركات في حدود 50 في المائة خلال الفترة نفسها.

هل التقييمات العالية لشركات التقنية دليل على مستقبل زاهر ينتظر هذه الشركات؟ هل ارتفاع أسهم شركات مثل: مايكروسوفت بنحو أربعة أضعاف، وجوجل بنحو ثلاثة أضعاف في الأعوام الخمسة الماضية مؤشر مبكر لسيطرة هذه الشركات على مفاصل المستقبل القريب وقدرتها على تحقيق أرباح عالية على النحو الذي يجعل المستثمرين اليوم يمنحونها هذه التقييمات العالية؟

على الصعيد المحلي، ماذا عن التقييمات العالية التي تمنح لشركات التقنية، المدرجة وغير المدرجة في الأسواق المالية؟ إحدى هذه الشركات المحلية التي حظيت بتقييمات عالية هي شركة جاهز، التي تبلغ قيمتها حاليا أكثر من عشرة مليارات ريال، وهي شركة تختص بالتوصيل من خلال تطبيق إلكتروني خاص بها. كيف يتم تقييم هذه الشركات؟

هناك طرق عدة يستخدمها المستثمرون والمحللون الماليون للتوصل إلى القيمة العادلة لأي شركة، وأول هذه الطرق وأهمها طريقة مكرر الربحية التي تستخدم غالبا مع الشركات القائمة التي لديها أعوام من النشاط، حيث تكون قيمة الشركة بين خمسة إلى 20 ضعف صافي أرباح الشركة السنوية. هذه الطريقة لا تستخدم بهذا الشكل مع الشركات الجديدة الواعدة لكون مقدار أرباحها في الأعوام القليلة الماضية ليست ذات أهمية، بل يتجه التركيز إلى قوة نمو أعمال الشركة، وبالتالي يمكن أن تمنح مكرر ربحية بمقدار 30 ضعفا وأكثر.

بعض الشركات يتم تقييمها بحسب ما لديها من أصول، غير أن ذلك لا يستخدم كثيرا في الشركات التقنية الناشئة، حتى إن كانت لديها براءات اختراع وبرمجيات متميزة، بل ينظر مرة أخرى إلى النمو المتوقع للشركة، الذي يستخدم غالبا في عملية حساب القيمة الحاضرة للتدفقات النقدية المستقبلية: كلما ارتفعت نسبة النمو السنوية لأعمال الشركة ارتفع تقييم الشركة.

مرة أخرى، السبب في تمتع شركات التقنية عموما بتقييمات عالية من قبل المستثمرين يعود لمكانة هذه الشركات في المستقبل، فالعالم اليوم لا يزال يراهن على مستقبل قوي وواعد لشركات التقنية بشتى أنواعها وتخصصاتها، وذلك لأننا منذ عدة أعوام دخلنا إلى عالم التقنيات الرقمية والاقتصاد المبني على المعرفة والمعلومات والحياة اليومية التي لا تخلو من الحاجة الماسة والاعتماد شبه الكلي على الخدمات الإلكترونية والمنتجات الرقمية. هذا التوجه نحو العالم الرقمي ستستفيد منه الشركات المتمركزة في قلب الحدث، وهي الشركات التي لديها الخبرات والتقنيات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد بقدراتها التنافسية وقدرتها على السيطرة على مفاصل الاقتصاد الجديد.

 

نقلا عن الاقتصادية