احتلت الأزمة الأوكرانية على مدى الأسبوعين الماضيين عناوين الأخبار، ومن المرجح أن يستمر ذلك حتى يتم الاتفاق على شكل من أشكال التسوية على إنهائها. في غضون ذلك، عززت الأزمة الاتجاه الصعودي القوي بالفعل في أسواق الطاقة، وعكست بدايات التدفقات الخارجة من مراكز الشراء من قبل كبار المستثمرين. في اليوم الأول للأزمة بلغت أسعار خام برنت 105 دولارات للبرميل قبل أن تتراجع وتغلق عند 99 دولارا للبرميل في ذلك اليوم، حيث كانت جميع المؤشرات تشير إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا لن تستهدف مبيعاتها من النفط الخام والغاز الطبيعي. لكن مع اشتداد العقوبات ومع بدء المؤسسات المالية رفض تمويل المعاملات المتعلقة بروسيا، وإحجام بعض الشركات عن شراء الخام الروسي، تجاوزت أسعار خام برنت في نهاية تداولات الأسبوع الماضي حاجز 110 دولارات للبرميل للمرة الأولى منذ 2014.
يعكس الارتفاع في أسعار النفط خلال الأشهر القليلة الماضية تشدد أساسيات السوق مع انتعاش الطلب على النفط بشكل مفاجئ في الاتجاه الصعودي. في وقت، أضافت مجموعة "أوبك +" كميات أقل مما هو مخطط له في اتفاقها الحالي، واستمر انخفاض مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من النفط الخام والمنتجات. الضغط التصاعدي على أسعار النفط يعكس أيضا مخاوف متزايدة بشأن حجم الطاقة الإنتاجية الاحتياطية في بيئة جيوسياسية متدهورة ووسط احتمالية أكبر لتعطل الإمدادات. وتضيف الأزمة أيضا تحديا جديدا من عدم اليقين الجيوسياسي على رأس مجموعة واسعة من أوجه عدم اليقين المحيطة بسوق النفط والتداعيات من أسواق الطاقة الأخرى، ولا سيما سوق الغاز، حيث أدت أسعار الغاز المرتفعة إلى إيجاد ضغط إضافي على الطلب على النفط بسبب استبدال الغاز بالنفط.
في الواقع، تعد روسيا واحدة من أكبر منتجي ومصدري النفط الخام في العالم، وفي 2016 انضمت إلى إعلان تعاون "أوبك +"، الذي تلعب فيه المملكة وروسيا دورا حيويا في الحفاظ على توازن العرض والطلب في أسواق النفط العالمية. وهذا الاتفاق ما زال متماسكا، فخلال اتصال هاتفي بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الروسي، "جدد ولي العهد حرص المملكة على المحافظة على توازن أسواق البترول واستقرارها منوها بدور اتفاق (أوبك +) في ذلك وأهمية المحافظة عليه".
من ناحية الإمدادات، بلغ متوسط إنتاج روسيا من النفط الخام والمكثفات في 2021 نحو 10.5 مليون برميل في اليوم، وهذا يمثل 14 في المائة من الإنتاج العالمي. في حين، بلغ متوسط صادرات النفط الخام الروسية العالمية نحو 4.27 مليون برميل في اليوم، تمثل أوروبا نحو 60 في المائة من إجمالي صادرات الخام الروسية، تليها آسيا التي تمثل ما يقرب من 35 في المائة. تعد روسيا أيضا أهم مورد للديزل لأوروبا، حيث تزودها بنحو 600 ألف برميل في اليوم أو أكثر من 40 في المائة من إجمالي وارداتها من الديزل. في الواقع، تظهر أسواق الديزل الأوروبي علامات تشدد، وأي خسارة لواردات الديزل الروسية ستزيد من تشدد هذه الأسواق.
على المدى القصير، من المرجح أن تأتي الاستجابات المحتملة لتخفيف ضغوط الأسعار من جانب العرض. تتمثل إحدى الديناميكيات الرئيسة التي تشكل أسواق النفط هذا العام في الزيادة المحتملة في إنتاج إيران إذا تم التوصل إلى اتفاق بخصوص برنامجها النووي ورفعت العقوبات المفروضة عليها. لكن بغض النظر عن موعد التوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص، فمن الجدير بالذكر أن الأمر قد يستغرق ما بين شهرين وثلاثة أشهر لاستئناف مشتريات النفط من إيران بعد إبرام الصفقة.
يمكن أن تأتي استجابة العرض المحتملة الأخرى من "أوبك +". لكن حتى الآن، لا يوجد ما يشير إلى أن المجموعة ستغير خطتها الحالية، خاصة أن الأزمة لم تسفر بعد عن أي اضطرابات فعلية في الإمدادات حتى وقت قريب كانت "أوبك" لا تزال تتوقع زيادة الفائض في 2022. على الرغم من أن المجموعة تضيف تدريجيا 400 ألف برميل يوميا كل شهر، لكن الإنتاج الحقيقي للمجموعة لم يواكب الخطة بشكل كبير. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، فإن الفارق في كانون الثاني (يناير) كان أكثر من 900 ألف برميل يوميا.
استجابة العرض المحتملة الأخرى هي الإفراج عن المخزونات من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي SPR. ففي الأول من آذار (مارس) 2022، أعلنت وكالة الطاقة الدولية إطلاق 60 مليون برميل من النفط الخام من مخزون الطوارئ لتهدئة الأسعار وتخفيف أي نقص محتمل نتيجة الأزمة. على الرغم من أن هذا يعادل مليوني برميل في اليوم على مدار 30 يوما، إلا أن أسعار النفط ارتفعت 4 في المائة تقريبا في ذلك اليوم واستقرت عند 104.97 دولار للبرميل. يعكس هذا مخاوف بشأن الإفراج عن المخزونات مقارنة بالاضطرابات المحتملة في إنتاج النفط الروسي، وقدرة الدول المعنية على الإفراج الفعلي عن مخزونات الطوارئ التي تم التعهد بها، فضلا عن مدى فاعلية الإفراج عن المخزونات من احتياطي البترول الاستراتيجي في التخفيف من تأثير الصدمات النفطية في السوق والأسعار.
الاستجابة من جانب الطلب تعد مهمة أيضا، لكن من المرجح أن تصبح أكثر وضوحا في وقت لاحق من هذا العام. وفقا لـ Rystad Energy، يمكن أن تؤدي الأزمة في أوكرانيا، إلى إزالة ما يصل إلى مليون برميل يوميا من الطلب على النفط من السوق العالمية. حيث، من المقرر أن ينخفض الطلب على النفط في كل من أوكرانيا وروسيا إذا لم تحل الأزمة بسرعة. من المرجح أن تشهد أوكرانيا أكبر انخفاض نسبيا، ما قد تفقد أكثر من 50 في المائة من الطلب. ومن المتوقع أن تعاني روسيا أيضا، على الرغم من أن التأثير سيكون أقل نسبيا. قد تؤدي العقوبات المباشرة وغير المباشرة المفروضة على الشؤون المالية الروسية، إلى خفض الطلب على النفط بنسبة تراوح بين 15 و30 في المائة أو أكثر، حسب المصدر نفسه.
بالنظر إلى المستقبل، ينبغي ألا يكون تركيز الأسواق على ما إذا كان قطاع النفط سيكون مستهدفا بشكل مباشر بالعقوبات فحسب، لكن أيضا التأثير التصاعدي للعقوبات الذاتية في طول سلسلة توريد النفط من التسويق إلى التمويل إلى الشحن. في الواقع، لا يزال الوضع شديد التقلب، لأسباب ليس أقلها أن الأساسيات لا تزال غير متوازنة مع ضعف العرض والطلب القوي. ستؤدي الأزمة الأخيرة إلى رفع مستوى أمن الطاقة في أجندة صانعي السياسات مع عواقب بعيدة المدى على سياسات الطاقة الحكومية بما في ذلك انتقال الطاقة.
نقلا عن الاقتصادية