انخفض الطلب العالمي على النفط في 2020 خلال الوباء، عندما أدت عمليات الإغلاق الشاملة إلى انخفاض أسعار النفط إلى ما دون الصفر، لأول مرة في التاريخ، بسبب التراجع الكبير في النشاط الاقتصادي، وبالتالي الطلب على النفط. لكن، الأسعار ارتفعت منذ ذلك الحين بشكل حاد بعد الانتعاش الاقتصادي القوي وانتهاء عمليات الإغلاق الشامل. بالفعل، مع نمو الاقتصاد ينمو الطلب على النفط. في حين، أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط والحرب في أوكرانيا أدت إلى تزايد المخاوف من انقطاع الإمدادت، ما دفع أسعار خام برنت إلى تجاوز حاجز 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ تموز (يوليو) 2014. وهذا يسهم في ارتفاع التضخم والمخاوف بشأن الانتعاش الاقتصادي.
قبل عامين عندما بدأت الجائحة، كان هناك انخفاض في النشاط الاقتصادي والطلب على النفط. كان المنتجون يخفضون مستويات الإنتاج باستمرار. علاوة على ذلك، كان هناك عدم يقين بشأن مدى شدة الأزمة الاقتصادية، وإلى متى ستستمر. دفعت هذه العوامل مجتمعة أسعار النفط إلى مستويات منخفضة للغاية لم نشهدها منذ عقود. استمرت هذه الفترة الصعبة حتى نهاية 2020. تبع ذلك انتعاش اقتصادي مفاجئ، ما أدى إلى زيادة الطلب على النفط والمنتجات النفطية. تشير التقديرات الحالية إلى أن الطلب على النفط في هذه المرحلة قد عاد أو تجاوز بالفعل مستويات ما قبل الوباء.
مع ذلك، العرض لم يكن قادرا على الاستجابة بشكل كامل للطلب المتزايد. على الرغم من أن "أوبك+" تعمل على زيادة إنتاج النفط تدريجيا. لكن لديها أيضا طاقة احتياطية محدودة، وربما تكون حذرة من زيادة المعروض في السوق مرة أخرى. إضافة إلى الطاقة الاحتياطية، إنتاج النفط له دورات استثمار طويلة جدا. قد يستغرق الأمر ما يصل إلى عقد للوصول إلى أول إنتاج من لحظة تأكيد الموارد. يمكن لبعض المصادر غير التقليدية أن تقدم الإنتاج بشكل أسرع، لكنها محدودة.
علاوة على ذلك، شركات النفط الكبرى حذرة في القيام باستثمارات كبيرة، حيث إن هناك ضغوطا قوية على الصناعة بعدم تطوير حقول جديدة، وإيقاف أو تقليل الاستثمار في الحفاظ على الإنتاج وتنميته وتحويل رأس المال إلى الاستثمارات في الطاقة المتجددة.
في هذا الجانب، حذر وزير الطاقة، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في افتتاح المؤتمر الدولي لتقنية البترول في الرياض، من أن الهبوط الحاد في الاستثمار في البترول والغاز يهدد أمن الطاقة، وهناك خطر فعلي أن العالم لن يستطيع إنتاج كل الطاقة التي يحتاج إليها لتعزيز التعافي. قائلا "فاقم ذلك حالة عدم اليقين والإشارات المتناقضة في صنع السياسات في بعض أنحاء العالم. هذا النقص في الاستثمار يضر مصلحة مستهلكي الطاقة، ويوجد تحديات لصانعي السياسات برفعه للأسعار وزيادته للمخاوف المتعلقة بشح الإمدادات، مبينا أن الحملة ضد الاستثمارات الجديدة في البترول والغاز لها نظرة قصيرة المدى، بل إن آثارها السلبية في تعافي الاقتصاد العالمي ورفاهية الأسر قد بدأت في الظهور". موضحا أنه "لهذا السبب فنحن في المملكة مستمرون في الاستثمار في البترول والغاز النظيفين وتوسيع قدرتنا الإنتاجية". مؤكدا "أن العالم يمر بمرحلة تحول الطاقة، ومن الخطأ التركيز على جانب واحد مثل الطاقة المتجددة، لأن اقتصاد العالم يتطلب مختلف مصادر الطاقة لتطوير الاقتصاد".
السؤال هو: كيف سيؤثر ارتفاع أسعار النفط في التضخم؟ وماذا يعني ذلك للاقتصاد العالمي؟ يشكل النفط 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. لذا، إذا تضاعفت هذه التكلفة، فمن الواضح أن هذا سيكون له بعض التأثير في التضخم. لكنها ليست محركا رئيسا عندما يتعلق الأمر بالتضخم. إن التضخم مدفوع بالسياسات النقدية المتساهلة. في هذا السياق، لن تكون أسعار النفط العامل الأكبر عندما يتعلق الأمر بالتضخم، لكنها لا تزال مهمة. لأن النفط يدخل في كل شيء، لذلك فهو ليس تأثيرا حجميا، لكنه يؤثر في سعر كل شيء تقريبا. لن تظهر زيادة أسعار النفط في محطات الوقود فحسب، بل ستظهر أيضا في جميع السلع والخدمات التي نستخدمها. لأن النفط هو مادة وسيطة ومصدر للطاقة ويستخدم في قطاع نقل البضائع.
عندما يتعلق الأمر بالنفط كمصدر للطاقة، اعتمادا على المنطقة، فإن 50 - 60 في المائة مما يدفعه المستهلكون هو ضريبة. يميل معظم المحللين إلى التركيز على التقلبات في أسعار النفط الخام، وهو أمر مهم، لكن الشيء المهم حقا هو أنه في كل 1.50 يورو يتم إنفاقها على لتر من البنزين، يدفع المستهلك نحو 70 - 80 سنتا للحكومة. تجني الدول المستوردة مثل الاتحاد الأوروبي أموالا من فرض ضرائب على النفط أكثر مما تجنيها الدول المنتجة من تصديره.
التوقعات هي أن تستمر تقلبات أسعار النفط. من الصعب للغاية التنبؤ بمستوى الأسعار أو حتى اتجاه التغيير. على أي حال، قد تظل أسعار النفط بالقرب من المستوى الحالي أو أكثر، لكن ليس لفترة طويلة، وبالتأكيد ليس إلى الأبد. لأنه على المدى المتوسط يجب أن يواكب العرض نمو الطلب، بينما من المؤمل أن تخف التوترات الجيوسياسية. على المدى الطويل، سيستقر الطلب وربما يبدأ بالانخفاض عند نقطة معينة. وبعد ذلك، من الصعب رؤية أسعار نفط أعلى. لكن، عدم اليقين الرئيس هو متى سيحدث ذلك - المحللون يختلفون بشدة. يقول البعض إن مثل هذه الذروة ليست سوى بضعة أعوام من الآن، والبعض الآخر يقول أكثر من بضعة عقود.
مع ذلك، هناك خطر حدوث ارتفاعات مؤقتة كبيرة في الأسعار، إلى مستويات أعلى مما نراه الآن، إذا لم تكن هناك جهود متضافرة بين انتقال الطاقة والتغييرات من جانب الطلب متبوعة بتعديلات من جانب العرض. سيؤدي فرض قيود على نمو العرض دون خفض الطلب، إلى اختلالات هيكلية تصعب معالجتها بسبب دورات الاستثمار الطويلة جدا لإنتاج النفط. بالفعل، يوجد هذا الضغط لوقف الاستثمار في إنتاج النفط أثناء انتقال الطاقة، لكن هناك حاجة إلى فهم أن العالم بحاجة أيضا إلى هذا العرض. لذلك نحن بحاجة إلى إيجاد هذا التوازن مع انتقال الطاقة من الآن حتى 2050. وهذا ما أكده الأمير عبدالعزيز بن سلمان في مناسبات عدة.
نقلا عن الاقتصادية