ارتفعت قيمة شركة أرامكو هذا الأسبوع بنحو 700 مليار ريال نتيجة عدة تطورات على صعيد سوق النفط العالمية وكذلك نتيجة قبول سوق الأسهم الصفقات التجارية والمالية التي تقوم بها أرامكو بين الحين والآخر. آخر هذه الصفقات المبتكرة تمت هذا الأسبوع من خلال بيع حصة ملكية في شركة أرامكو لإمداد الغاز لمجموعة من المستثمرين بمبلغ 58 مليار ريال.
ما طبيعة الترتيبات المالية التي تقوم بها أرامكو؟
برزت أرامكو في الفترات الأخيرة رائدة للهندسة المالية في المنطقة، حيث رأينا عدة صفقات وترتيبات مالية تندرج ضمن ما يعرف بالهندسة المالية التي تعني استخدام النظريات المالية والرياضية والهندسية وعلوم الحاسب في تصميم المنتجات والخدمات المالية بهدف الحصول على حلول مالية مرنة لتوفير السيولة ورفع العائد على الاستثمار.
تجد الهندسة المالية في أرامكو في عدة أماكن، فنجدها في طروحات السندات والصكوك المحلية والدولية من حيث التوقيت ومكان الطرح وتقليص تكلفته، بل إن طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام ذاته اشتمل على طرق مالية ذكية جاذبة للمستثمرين، أحدها أن الشركة التزمت بتوزيع أرباح سنوية عالية، تبلغ 281 مليار ريال، لكي تجعل عائد التوزيع السنوي مغريا للمستثمرين عند نحو 4 في المائة من قيمة السهم، وفي الوقت نفسه كان من المعروف أن معظم هذه الأرباح التي ستوزع هي من نصيب الدولة بحسب نسبة الملكية، لذا فإن 276 مليار ريال من 281 مليار ريال أرباح موزعة تذهب لمصلحة الدولة.
في العام الماضي أبرمت شركة أرامكو اتفاقية تمويل مبتكرة مع مجموعة استثمارية عالمية متخصصة في النفط والطاقة من أجل الاستفادة من شبكة الأنابيب الضخمة التي تملكها أرامكو لجلب سيولة نقدية للشركة. وهذا الأسبوع تم العمل بالأسلوب نفسه للحصول على تمويل بطريقة مبتكرة، ولكن هذه المرة في مجال إمدادات شبكة الغاز التابعة لأرامكو.
الاتفاقية الجديدة التي حصلت من خلالها أرامكو السعودية على أكثر من 58 مليار ريال تنطلق من فكرة تحويل أصول مدرة للسيولة بشكل بطيء إلى أصول تمنح سيولة فورية، ويتم ذلك أولا بإنشاء شركة مملوكة لأرامكو 100 في المائة وبرأسمال 100 ألف ريال فقط، ومن ثم تقوم أرامكو ببيع 49 في المائة من هذه الشركة لمصلحة مجموعة استثمارية متخصصة في تمويل مشاريع النفط والطاقة، وذلك بمبلغ 58.1 مليار ريال نقدا. الفائدة لشركة أرامكو بالطبع هي الحصول على هذا المبلغ ولكن مقابل ماذا؟ وماذا تستفيد المجموعة الاستثمارية؟
نلاحظ أولا أن الاتفاقية ليست بين شركة أرامكو والمجموعة الاستثمارية، بل هي بين شركة مملوكة لأرامكو وبين المستثمرين وفي ذلك إدارة جيدة للمخاطر الاستثمارية والقانونية. فشركة أرامكو لم تقم بتأجير شبكة الغاز على المجموعة الاستثمارية، بل قامت بتأجيرها لمدة 20 عاما لشركتها المملوكة، فأصبح لدى هذه الشركة الجديدة أصول عبارة عن امتلاك – أو بالأصح استئجار - لشبكة الغاز لمدة محدودة. وبالتالي فإن هذه الأصول "المؤقتة" لدى الشركة تمنحها المقدرة على بيع حصة من أسهمها لمستثمرين. وعلى الرغم من أن رأسمال الشركة الجديدة فقط 100 ألف ريال إلا أن قيمتها الدفترية تقدر بـ118 مليار ريال.
إذن قامت أرامكو بتأجير شبكة الغاز لشركة مملوكة لها، ولكن أرامكو لا تزال هي المسؤولة عن تشغيل وصيانة وتطوير هذه الشبكة، بل إن أرامكو هي كذلك التي تقوم بتحصيل مبيعات الغاز التي تمر بهذه الأنابيب. إذن كيف يستفيد المستثمرون الذين دفعوا 58 مليارا لأرامكو، إذا كانت أرامكو لا تزال تمتلك الشبكة وتتولى جميع أعمالها وتتحصل على جميع إيراداتها؟
جزء من الإيرادات التي تحصل عليها أرامكو من بيع الغاز تذهب إلى الشركة المملوكة لأرامكو 51 في المائة، وبالتالي فإن الذي يحصل بشكل غير مباشر هو أن تتحصل المجموعة الاستثمارية على 49 في المائة من مبيعات الغاز التي ستدفعها أرامكو لشركة إمداد الغاز كل ثلاثة أشهر. هناك مخاطرة مالية على المجموعة الاستثمارية بحكم تقلب أسعار الغاز، لذلك هم حصلوا على حصة 49 في المائة حسب القيمة الدفترية، المقدرة بقيمة 118 مليار ريال، وسيحققون عوائد مجزية فيما لو حافظ الغاز على أسعار معقولة.
هل يمكن تقدير العائد للمجموعة الاستثمارية جراء هذه العملية؟
لا تتوافر بيانات كافية عن كمية الغاز التي ستمر من خلال الأنابيب، ولا عن شروط العقد التفصيلية وضوابطه وبالذات المبالغ التي ستدفعها أرامكو كل ثلاثة أشهر لمصلحة شركة إمداد الغاز، ولكن نعلم أن الطاقة الاستيعابية للشبكة نحو 16 مليار قدم مكعبة يوميا، وإن الإنتاج اليومي يصل إلى حدود عشرة مليارات قدم مكعبة. وبما أن سعر البيع لكمية ألف قدم مكعبة من الغاز تنخفض إلى ثلاثة دولارات أحيانا وترتفع لأكثر من عشرة دولارات في أحيان أخرى، نستطيع تقدير القيمة السوقية اليومية للغاز المنتج عند نحو 50 مليون دولار يوميا (على فرض سعر خمسة دولارات لألف قدم مكعبة)، أو 67 مليار ريال سنويا. جزء من هذا المبلغ سيذهب لشركة إمداد الغاز التي تمتلك المجموعة الاستثمارية 49 في المائة منها.
مثل هذه الصفقة محدودة المخاطر لشركة أرامكو والسبب أن عملية التأجير لشبكة الغاز محدودة المدة دون تفريط في ملكية الشبكة ولا وضع أي قيود على سياسة إنتاج النفط وتطويره، وكذلك مع إبقاء جميع مهام الصيانة والتشغيل والتطوير والتوسع لدى أرامكو.
شركة أرامكو السعودية تعد من أكبر الشركات التي تتعامل بأساليب مالية متقدمة، وذلك بسبب ضخامة حجم الشركة وتنوع منتجاتها وخدماتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية. لذا فقد قامت الشركة العام الماضي بإطلاق أكاديمية التميز المالي والمحاسبي بالتعاون مع شركات محاسبة رائدة وبنوك استثمارية عالمية، بهدف تقديم برامج تعليمية وبناء قدرات خريجي المالية والمحاسبة المتميزين في المملكة.
نقلا عن الاقتصادية