العالم وتأمين إمدادات الطاقة الفورية

24/02/2022 0
د. نعمت أبو الصوف

تزامنت قمة المناخ في جلاسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي مع بدء موسم التدفئة الشتوي في نصف الكرة الشمالي. وفي الوقت الذي كان قادة العالم يتسابقون للتعهد بالتزامات صافي انبعاثات صفرية واتخاذ إجراءات حاسمة لمعالجة الآثار المناخية، سرعان ما أصبحت أوروبا وآسيا مقتنعتين بأن تقييد أسواق الطاقة محفوف بعواقب ومخاطر. إذا كان عام 2021 يتسم بالتفاؤل بأن كبار مستهلكي الطاقة مستعدون أخيرا لوضع أهداف طموحة، إلا أن عام 2022 يهدد بالفعل بأن يكون عام التراجع العالمي في هذا الجانب. من الولايات المتحدة إلى الصين، أوروبا، الهند واليابان، بدأت أنواع الوقود التقليدية في العودة، وأخذت أسهم الطاقة المتجددة تتعرض لهزات متقلبة، وتبدو آفاق تسريع انتقال الطاقة قاتمة. يحصل هذا حتى في الوقت الذي انخفضت فيه تكاليف الطاقة المتجددة بسرعة، وارتفع الاستثمار في التقنيات النظيفة، ومطالبة نشطاء البيئة باتخاذ إجراءات أقوى.

في الواقع، على الرغم من الارتفاع القياسي في الاستثمارات العالمية في منشآت الطاقة المتجددة في الأعوام الأخيرة، لم تكن الطاقة المتجددة كافية لمواجهة الانتعاش في استهلاك الكهرباء. ووجدت صناعة توليد الطاقة والصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة نفسها بحاجة ماسة إلى موارد الطاقة الرئيسة ـ الفحم والغاز الطبيعي ـ مع تعافي الاقتصادات من الركود الوبائي. وتحولت أولويات الحكومات من إجراءات لخفض الانبعاثات على المدى الطويل إلى معالجة أزمة الطاقة الفورية، ارتفاع فواتير الطاقة، وتلبية احتياجات أمن الطاقة على المدى القريب. فقد شهدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ارتفاعا في استهلاك الفحم لأن الغاز الطبيعي أصبح مكلفا للغاية بالنسبة إلى بعض محطات توليد الطاقة. ألقت أزمة الطاقة أيضا بظلالها على نقاشات الاتحاد الأوروبي حول كيفية تنفيذ الصفقة الخضراء Green Deal، وهي تعد إصلاحا اقتصاديا غير مسبوق. يشعر عديد من الحكومات بالقلق من أن الارتفاع في الأسعار قد يقوض الدعم العام للإصلاحات.

على سبيل المثال، أجبر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وانخفاض سرعة الرياح في خريف عام 2021، المملكة المتحدة، على تشغيل محطة فحم قديمة لتلبية الطلب على الكهرباء، على الرغم من أنها تعهدت بالتخلص التدريجي من توليد الطاقة بالفحم بحلول تشرين الأول (أكتوبر) 2024. قامت الصين، أكبر مستهلك للفحم في العالم، بزيادة إنتاج الفحم، الذي وصل إلى مستويات قياسية في كل من كانون الأول (ديسمبر) 2021 والعام بأكمله. كانت الصين تتطلع إلى تأمين إمدادات الطاقة لفصل الشتاء، وكبح أسعار الفحم المرتفعة، وتجنب تكرار أزمة الكهرباء التي واجهتها في خريف 2021.

في الولايات المتحدة، عاد استهلاك الفحم بصورة مؤقتة، حيث ارتفع توليد الكهرباء من الفحم في عام 2021 للمرة الأولى منذ عام 2014، ذلك أن أسعار الغاز الطبيعي المرتفعة حفزت على مزيد من استخدام الفحم في توليد الكهرباء. في هذا الجانب، ذكرت إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج الفحم في الولايات المتحدة سيرتفع بنحو 5 في المائة عام 2022 ثم يرتفع 3 في المائة أخرى عام 2023. نتيجة للارتفاع الكبير في توليد الطاقة من الفحم عام 2021، انعكس التقدم في خفض الانبعاثات في الولايات المتحدة العام الماضي، حيث انتقل من 22.2 في المائة أقل من مستويات 2005 في 2020 إلى 17.4 في المائة فقط في 2021، ما وضع الولايات المتحدة بعيدا عن المسار الصحيح لتحقيق أهدافها المناخية لعامي 2025 و2030.

في هذا الجانب أيضا، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي للفحم لعام 2021، إن الانتعاش الاقتصادي بعد الوباء دفع المعدل العالمي لتوليد الطاقة بالفحم إلى مستوى قياسي جديد في العام الماضي، حيث من المحتمل أن يصل الطلب العالمي على الفحم إلى مستوى جديد آخر هذا العام، في حين، ذكر تقرير سوق الكهرباء الصادر عن الوكالة في بداية هذا العام، "أدى الانتعاش السريع في الطلب الإجمالي على الطاقة إلى إجهاد سلاسل التوريد للفحم والغاز الطبيعي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الكهرباء. وعلى الرغم من النمو المذهل للطاقة المتجددة، ووصل توليد الكهرباء من الفحم والغاز إلى مستويات قياسية. ونتيجة لذلك، قفزت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية لقطاع الكهرباء العالمي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بعد أن انخفضت في العامين الماضيين. علاوة على ذلك، لبى الفحم أكثر من نصف الزيادة في الطلب العالمي على الكهرباء العام الماضي. كل هذه العواقب المترتبة على الانتعاش الاقتصادي العالمي بعد الجائحة ترفع الانبعاثات، بعد انخفاض قياسي عام 2020".

أزمة الطاقة تسلط الضوء أيضا على التكلفة المرتفعة لعملية انتقال الطاقة. لا تزال الحكومات ملتزمة بتعهداتها المناخية.

سيكون هذا العام بمنزلة اختبار للحكومات لفرض سياسات انتقال طاقة مكلفة. ففي الوقت الذي لا تزال فيه تدفع باتجاه صافي انبعاثات صفرية، تحاول الحكومات الآن احتواء تداعيات أزمة الطاقة التي أدت إلى ارتفاع فواتير الطاقة للمستهلكين.

في الولايات المتحدة، يسعى الديمقراطيون بشكل يائس إلى إحياء مشروع قانون "إعادة بناء أفضل" Build Back Better، الذي منع تمريره أحد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطي من ولاية فرجينيا الغربية. يحتوي برنامج "إعادة بناء أفضل" على مليارات الدولارات من المخصصات لدعم التوسع في الطاقة المتجددة. في الوقت نفسه، فإن الإدارة الأمريكية يائسة لرؤية أسعار البنزين المرتفعة في الولايات المتحدة تنخفض، ولا سيما في ضوء انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر)، حيث يفقد الديمقراطيون الأغلبية في الكونجرس، ما قد يعيق سياسات العمل الطموحة للرئيس.

بالفعل، هنالك جزء كبير من العالم يركز الآن على تأمين إمدادات الطاقة الفورية.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية