أقرت الحكومة النيوزيلندية حظر بيع التبغ للأجيال القادمة، في محاولة للتخلص من التدخين بشكل تدريجي، معتمدة على آلية حذقة، تمنع بموجبها الأشخاص الذين ولدوا بعد عام 2008 من شراء السجائر أو منتجات التبغ. دعمت وزارة الصحة النيوزيلندية سن القانون ضمن حملة وطنية تستهدف مكافحة التدخين على أسس مستدامة، وتحقيق هدف وطني ينخفض بموجبه معدل التدخين الوطني إلى 5 في المئة بحلول عام 2025 مقارنة بنسبته الحالية البالغة 13 في المئة .
مشروعات مكافحة التدخين الغربية تبنى على أسس تكاملية تلتزم بها الحكومة، ولا تسمح بتعارض الأنظمة، أو الإجراءات الصادرة من الوزارات المختلفة، وهو أمر ضامن للنتائج الإيجابية ومحقق للأهداف الوطنية، فتجتهد في سن قوانين تحد من التدخين وتحمي النشء والمجتمع من مخاطره المدمرة. فصحة الإنسان وحماية المجتمع مقدمتان على ما سواهما، لذا تنخفض نسبة المدخنين لديهم بشكل كبير، وبالتالي حجم استهلاك التبغ، في مقابل ارتفاع عدد المدخنين في الدول النامية.
الانخفاض الحاد في استهلاك التبغ في الدول الغربية دفع الشركات المنتجة للبحث عن أسواق جديدة تعوض من خلالها ذلك الانخفاض، وهذا ما نراه اليوم في أسواق الدول النامية التي ازداد فيها معدل الاستهلاك عطفا على حجم واردات التبغ السنوية.
وفي المملكة نجد أن نسبة التدخين في ازدياد مطرد، وشريحة المدخنين في اتساع دائم، حيث ضمت الرجال والنساء، والمراهقين من الجنسين، والأطفال من سن التاسعة، والطلاب والطالبات في مراحل التعليم المختلفة، وهذا مؤشر خطير يجب التنبه له والعمل على معالجته وبما يحقق صحة الإنسان وسلامة المجتمع من جهة، ويتناغم مع أهداف رؤية 2030 ومنها زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عاما وهو أمر يتطلب تعزيز الجانب الصحي، الذي يعتبر التدخين من أهم مؤثراته السلبية. كما أن التدخين، ووفق الدراسات العلمية، ربما كان من محفزات إدمان المخدرات. انتشار السيجارة الإلكترونية والتساهل في بيعها على الأطفال من المخاطر التي بدأت في الظهور مؤخرا، ما يستوجب وقف استيرادها بقوة القانون.
ومن المؤلم أن يحظى التدخين بتشريعات داعمة له في المولات ومراكز الإيواء، وأن يتحول إلى عامل جذب سياحي، وتجاري دون التفكر بمخاطره، وحجم التكاليف الصحية المطلوبة لمعالجة تداعياته الخطرة على صحة الإنسان وسلامة المجتمع، وهي تكاليف ستتحملها الدولة مستقبلا.
السماح للمدخنين بممارسة هوايتهم القاتلة في الأماكن العامة، يساعد في انتشار ظاهرة التدخين، ويحد من عملية الإقلاع عنه. كل سيجارة يتم إشعالها وتدخينها، أو شيشة يتم تقديمها في العلن تقدم دعاية مجانية لمصانع التبغ، وبائعيه؛ الأطفال والمراهقون هم أكثر المتأثرين بالعروض التدخينية المجانية.
أثبتت الدراسات أن احتمال تجربة التدخين لدى المراهقين المتواجدين بين مدخنين، أو القريبين منهم تزيد بمستوى الضعف عن أقرانهم البعيدين عن مؤثرات التدخين الخارجية. كما أن التقارير الطبية تفيد بأن التدخين السلبي، وهو استنشاق غير المدخن لانبعاثات سجائر المدخنين، بات يوازي في خطورته الخطورة التي يتعرض لها المدخنون أنفسهم.
الدولة، رعاها الله، لم تتردد في اتخاذ قرار تعطيل الاقتصاد وإغلاق الأسواق والأنشطة التجارية لحماية المواطن والمقيم من فيروس كورونا، وأنفقت أكثر من 43 مليار ريال لتعزيز القطاع الصحي، ورفع جاهزيته، كما أنفقت ما يزيد على 243 مليار ريال لدعم الاقتصاد وحمايته من تداعيات الجائحة. وهو ما يؤكد أن صحة الإنسان وسلامة المجتمع مقدمة على المكاسب الاقتصادية المحدودة، لذا فمن غير المقبول أن تعاد صياغة أنظمة مكافحة التدخين وبما يتوافق مع متطلبات التحفيز السياحي الذي يمكن أن يتحقق من خلال أدوات كثيرة وآمنة ليس من بين متطلباتها توفير الشيشة ومنتجات التبغ المضرة بصحة الإنسان، وبالاقتصاد وبالمالية العامة على المدى البعيد.
نقلا عن الجزيرة