توافق حول اتجاه الطلب على النفط

23/12/2021 0
د. نعمت أبو الصوف

نشرت أخيرا ثلاث منظمات رئيسة للطاقة توقعاتها للطلب العالمي على النفط للمدى القريب. رغم أن هذه المنظمات تتوافق إلى حد كبير في بعض الأحيان في توقعاتها للطلب، إلا أنها تباعدت هذه المرة، كما يحدث أحيانا. المنظمات الثلاث هي أوبك، ووكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

"أوبك" كانت الأكثر تفاؤلا، أصدرت المنظمة تقريرها الشهري الأخير عن سوق النفط في الـ 13 من الشهر الجاري، وتوقعت تأثيرا طفيفا لمتحور كورونا أوميكرون في الطلب، وبالتالي تركت توقعاتها للطلب لهذا العام والعام المقبل دون تغيير. لكن بالنسبة لهذا الربع قامت المنظمة بتخفيض توقعات الطلب الخاصة بها بشكل طفيف، وذلك في الأغلب لمراعاة تدابير احتواء جائحة كورونا في أوروبا والتأثير المحتمل للمتحور الجديد. ومع ذلك، أبقت "أوبك" تقديرها لنمو الطلب للعام بأكمله دون تغيير عن تقييم الشهر الماضي للنمو البالغ 5.7 مليون برميل يوميا عام 2021 مقارنة بعام 2020. بالنسبة لعام 2022 لم تتغير التوقعات أيضا، مع استمرار توقع النمو عند 4.2 مليون برميل يوميا مقارنة بهذا العام، كما في توقعات الشهر الماضي. وبالفعل، فإن بعض الانتعاش المتوقع سابقا في الربع الرابع من 2021 قد تحول الآن إلى الربع الأول من عام 2022، يليه انتعاش أكثر ثباتا خلال النصف الثاني من العام.

واستشهدت المجموعة بتحسن إدارة تداعيات الجائحة وارتفاع معدلات التطعيم، ما يتيح للنشاط الاقتصادي والتنقل العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة، ودعم وقود النقل، خصوصا كعوامل تحدد هذا النمو في الطلب على النفط. في هذا الجانب أشارت مجموعة "أوبك +" إلى الثقة بالطلب على النفط، فضلا عن المرونة لتعديل معدلات الإنتاج على الفور إذا لزم الأمر، عندما أبقت على خطط الإنتاج الخاصة بها دون تغيير في وقت سابق من هذا الشهر، حيث تخطط المجموعة لإضافة 400 ألف برميل أخرى في اليوم إلى السوق في كانون الثاني (يناير).

في غضون ذلك، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الخاص بسوق النفط: إن متحور أوميكرون يمكن أن يبطئ نمو الطلب، مضيفة، مع ذلك، أن التأثير سيكون مؤقتا. كما عدلت الوكالة توقعاتها للطلب لعامي 2021 و2022 بتخفيض طفيف بمقدار 100 ألف برميل يوميا، إلى نمو 5.4 مليون برميل يوميا هذا العام و3.3 مليون برميل يوميا العام المقبل، لتصل إلى مستويات ما قبل الجائحة البالغة 99.5 مليون برميل يوميا. رغم التخفيض الطفيف لا تتوقع الوكالة انخفاضا كبيرا في الطلب بالحجم الذي يبدو أن سوق النفط قد تم تسعيرها في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما ظهرت التقارير الأولى عن المتحور الجديد.

وإذا نظرنا من ناحية أخرى إلى توقعات إدارة معلومات الطاقة، فكانت المفاجأة الأكبر في توقعات الطلب على النفط. في إصدارها الأخير لتوقعات الطاقة قصيرة الأجل توقعت الإدارة أنه في العام المقبل سيرتفع الطلب على النفط بمقدار 3.4 مليون برميل يوميا إلى 100.46 مليون برميل يوميا. كان هذا تنقيحا نزوليا بحدود 420 ألف برميل يوميا مقارنة بتوقعاتها في الشهر الماضي. بالنسبة لهذا العام، تتوقع الإدارة الآن أن يبلغ متوسط استهلاك النفط العالمي 96.91 مليون برميل يوميا، بانخفاض قدره 620 ألف برميل يوميا مقارنة بتوقعات الشهر الماضي البالغة 97.53 مليون برميل يوميا.

رغم الاختلافات في التوقعات تظل المنظمات الثلاث متفائلة عموما بشأن الطلب على النفط، وربما يكون هذا هو ما يهم أكثر من الأرقام الفعلية رغم جاذبية هذه الأرقام.

في هذا الجانب، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري: "من المتوقع أن يؤدي الارتفاع في حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا إلى إبطاء التعافي مؤقتا في الطلب على النفط، لكن ليس العكس". من المحتمل أن يكون لتدابير الاحتواء الجديدة التي تم وضعها لوقف انتشار الفيروس تأثير أقل حدة في الاقتصاد مقارنة بموجات الجائحة السابقة، لأسباب ليس أقلها انتشار حملات التطعيم. ونتيجة لذلك، نتوقع أن يستمر الطلب على وقود النقل البري والمواد الأولية للبتروكيماويات في تحقيق نمو مطرد".

من جانبها أشارت إدارة معلومات الطاقة إلى أن "الآثار المحتملة لانتشار المتحور الجديد غير مؤكدة، ما يؤدي إلى مخاطر سلبية لتوقعات استهلاك النفط العالمي، خاصة وقود الطائرات". وأضافت الإدارة أن متحور أوميكرون قد أدخل عدم يقين إضافي في أسواق النفط للأشهر المقبلة، وينعكس عدم اليقين هذا على الزيادة الأخيرة في تقلبات أسعار النفط.

بخصوص العوامل التي تحرك اتجاهات الطلب قالت "أوبك": "يستمر تحديد توقعات توازن السوق من خلال تطور جائحة كورونا، كعامل رئيس لعدم اليقين، لكن الجهود المشتركة الناجحة لمجموعة "أوبك+" تواصل مراقبة جميع التطورات عن كثب بطريقة سريعة ويقظة، لتكون قادرة على الاستجابة لظروف السوق المتغيرة بسرعة".

بعبارة أخرى: رغم أن الوكالات الثلاث تختلف حول الأرقام الفعلية لتوقعات الطلب على النفط، إلا أنها في انسجام تام حول ما سيقوده الوباء. ربما يكون عام 2022 هو العام الأخير الذي يظل فيه الوباء العامل الوحيد الأكثر أهمية للطلب على النفط، حيث رأى بعض خبراء الصحة وبنك الاستثمار جي بي مورجان أن متحور أوميكرون أخف بكثير من الطفرات السابقة.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية