من المتوقع أن تستمر تقلبات أسعار الغاز الطبيعي العالمية لعام آخر، بعد 18 شهرا من التقلبات من أدنى مستوياتها القياسية إلى أعلى مستوياتها القياسية. مع بدء انتعاش الطلب على الغاز هذا الصيف وسط استنفاد المخزونات في آسيا وأوروبا بعد شتاء طويل وبارد، ارتفعت الأسعار في الخريف إلى مستويات قياسية. أجبر هذا الصناعات كثيفة الاستهلاك للغاز في أوروبا مثل صناعة الصلب، والأسمدة وإنتاج الأمونيا على تقليص عملياتها لتقليل التعرض لتكاليف الوقود المرتفعة.
رغم انخفاض أسعار الغاز الطبيعي الأمريكي في الأيام الأخيرة في مجمع هنري هب Henry Hub بسبب توقعات الطقس الشتوي الأكثر دفئا، حيث انخفضت إلى أقل من أربعة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في وقت كتابة هذا المقال، إلا أن الأسعار في أوروبا وآسيا ظلت مرتفعة وستعتمد على الشتاء في تلك الأجزاء، وعلى شركة غازبروم الروسية في أوروبا.
تدخل أوروبا الشتاء ومخزونات الغاز عند أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في حين أن بعض فترات البرد في الأسابيع الأخيرة عززت بالفعل الطلب على التدفئة وتوليد الطاقة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في مراكز بيع الغاز بالجملة في أوروبا والمملكة المتحدة. حاليا، تمتلئ مواقع تخزين الغاز في أوروبا بنسبة 70 في المائة، مقارنة بنسبة 85 في المائة في المتوسط خلال العشرة أعوام الماضية. في الوقت نفسه لم تتحقق تدفقات الغاز الطبيعي الإضافية من روسيا بعد، في حين أن مشروع السيل الشمالي 2 Nord Stream 2 لا يزال على بعد بضعة أشهر على الأقل من بدء التشغيل، ومن غير المرجح أن يساعد مستويات تخزين الغاز الحالية في أوروبا هذا الموسم الشتوي.
في آسيا، انتعش الطلب بقوة هذا العام، ما أرسل أسعار الغاز الطبيعي المسال LNG في السوق الفورية إلى مستويات قياسية قبل بضعة أسابيع. رغم انخفاض أسعار الغاز المسال في السوق الفورية لتسليم كانون الثاني (يناير) 2022 بمقدار 1.50 دولار إلى 34.60 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، إلا أن السعر لا يزال مرتفعا مثل الرقم القياسي لموسم الشتاء الماضي المسجل أيضا في كانون الثاني (يناير) 2021. في هذا الصدد، قالت عدة مصادر تجارية: إن مشتري الغاز في الصين يتراجعون عن عمليات الشراء الفورية للغاز المسال مع استمرار ارتفاع الأسعار ووفرة المخزونات. كما أن تسامح الحكومة مع حرق كميات إضافية من الفحم قد قلل أيضا من الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة.
لعقود من الزمان كان النمو الاقتصادي السريع في آسيا يعني تزايد الطلب على الهيدروكربونات، معظمه من الفحم والنفط. لكن، مع تبني الحكومات سياسات لمعالجة الانبعاثات أصبح هذا الأمر غير مرحب به وغير مستدام ومن المرجح جدا أن يفتح الباب أمام استخدام أكبر للغاز. لذلك، ما حقا يثير حماس مطوري الغاز الطبيعي المسال اليوم هو ليس فقط الطلب الآسيوي على الغاز المتعلق بتوقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أكثر توافقا مع أهداف الحد من الكربون ومع استراتيجيات الطاقة. السياسات الجديدة التي تفضل الغاز على الفحم في توليد الطاقة توجد فرصا إضافية للمشترين في جميع أنحاء المنطقة، ولا سيما في شمال شرق آسيا، حيث إن استنفاد إمدادات الغاز المحلي يشجع استيراد الغاز الطبيعي المسال في الفلبين وتايلاند وفيتنام. إضافة إلى ذلك تحرير أسواق الغاز في كوريا الجنوبية، وتايلاند، وسنغافورة وماليزيا يجتذب مستثمرين جددا. علاوة على ذلك، يتم بناء بنية تحتية جديدة في الصين وعبر جنوب وجنوب شرق آسيا لدعم النمو المستمر في الطلب على الغاز.
وفقا لـ "وود ماكينزي" الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا قد نما بنسبة هائلة بلغت 21 مليون طن هذا العام - هذا انتعاش قوي من تأثير العام الماضي الناجم عن الوباء. الصين في المقدمة تليها كوريا الجنوبية، مع دعم سياسي قوي يوفر مجالا أوضح لنمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال. حيث ارتفعت الواردات بمقدار 13 مليون طن هذا العام وحده. إن موردي الغاز الطبيعي المسال واثقون بأن الطلب على الغاز في آسيا سيستمر في الارتفاع في الأعوام والعقود المقبلة وسيعزز تطوير مزيد من المشاريع هذا العقد. أحدث مشروع للغاز الطبيعي المسال حصل على الضوء الأخضر كان مشروع Woodside’s Scarborough بتكلفة 12 مليار دولار ومشروع Pluto Train 2 الذي تمت الموافقة عليه في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر).
إذا كان الطقس هذا الشتاء أكثر برودة من المعتاد في آسيا، فقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في السوق الفورية، رغم أن تكاليف الاستيراد المرتفعة قد تؤدي إلى تهميش بعض المشترين الأكثر حساسية للأسعار.
في أوروبا، ستستمر أسعار الغاز في التقلب، وستعتمد على الطقس وتدفق الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب إلى أوروبا. حيث يراقب التجار عن كثب كل عطاء من المقرر أن تحجز فيه شركة غازبروم سعة خط الأنابيب عبر خطوط الأنابيب الرئيسة إلى ألمانيا وبولندا. في كل مرة لا تحجز فيها روسيا سعة إضافية كبيرة، تقفز أسعار الغاز القياسية في أوروبا. كما تتابع السوق عن كثب تدفقات الغاز الطبيعي اليومية عبر خط أنابيب يامال - أوروبا. على سبيل المثال، في تشرين الثاني (نوفمبر) كانت إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا متقلبة، حيث كان تدفق الغاز على خط أنابيب يامال - أوروبا عبر بيلاروسيا إلى بولندا وألمانيا منخفضا أو غير موجود في بعض الأيام، وفي بعض الأحيان كان يتدفق باتجاه الشرق من بولندا. أدت حالة عدم اليقين بشأن حجم الكميات الإضافية التي ستشحنها شركة غازبروم إلى جانب التزاماتها التعاقدية إلى إبقاء أسعار الغاز الأوروبية القياسية متقلبة خلال الشهر الماضي. كما أن مشروع السيل الشمالي 2 المثير للجدل لم ينته بعد، حيث تم تعليق منح إجازة التشغيل حاليا من قبل الوكالة الفيدرالية الألمانية حتى يتم تأسيس شركة في ألمانيا بموجب القانون الألماني لتشغيل خط الأنابيب.
مع شح إمدادات الغاز الطبيعي وعدم اليقين بشأن ما إذا كان من الممكن زيادة تدفقات الغاز الروسي بشكل كبير ومتى، تواجه أنظمة وأسواق الطاقة والغاز في أوروبا في فصل الشتاء هذا أصعب اختبار حتى الآن. إذا استنفد شتاء 2021-2022 البارد الغاز من المخزون الأوروبي، مرة أخرى، فقد يكون العام المقبل عاما آخر من أسعار الغاز الطبيعي المتقلبة في أوروبا وآسيا، مع وجود أسعار قياسية جديدة محتملة تلوح في الأفق.
نقلا عن الاقتصادية