قراءات في الأسواق المالية (6

05/12/2021 0
عادل عبدالكريم

المضاربة هي التعامل في الأسهم بيعا وشراء بغرض الربح من فروق الأسعار عند ارتفاعها أو انخفاضها، والأصل أن يكون هذا التعامل مؤسسا على أسباب حقيقية تؤثر في سعر السهم، تتعلق بالوضع المالي للشركة المصدرة له، أو تبنى على معلومات صادقة عن مستقبل الشركة مثلاً، أو تتجاوب مع العرض والطلب غير المفتعل. 

غير أن مما يشوب هذا الأصل وجود فئة من المتعاملين تمارس سلوكيات غير أخلاقية، وتعمل جاهدة على التأثير في أسعار الأسهم لكي تستفيد من التغير في تلك الأسعار لصالحها، عن طريق عدد من الممارسات التي تقوم على التغرير والخداع، وتورث أضرارا بالغة بكثير من المتعاملين. 

وتتمثل هذه الممارسات في نشر الشائعات الكاذبة، والقيام بإدخال أوامر مضللة، أو عقد صفقات وهمية، بهدف تكوين انطباع لدى المتعاملين بأن هناك تداولاً نشطًا على السهم، أو اهتماما بشرائه أو بيعه، أو بهدف تكوين سعر مصطنع للطلب أو العرض عليه. 

ومن أبرز صور هذه الممارسات ما يأتي: 

١- البيع الصوري، مثل أن يقوم المضارب بالبيع على نفسه بكميات كبيرة، من خلال تعدد المحافظ التي باسمه، أو بأسماء أصدقائه، أو أفراد أسرته، ثم يقوم بشرائها بسعر أكبر إذا أريد للسهم الصعود، أو بسعر أقل إذا أريد له النزول. وقد يتم ذلك من قبل مجموعات تتفق فيما بينها على التعامل على هذا الأساس. 

٢- العروض الوهمية، ويتم ذلك عادة قبل افتتاح السوق بوقت قليل، حيث يقوم المضارب المتلاعب بتقديم عروض بيع مثلاً بصفقات مختلفة، ليوهم غيره بأن هذه العروض من أشخاص كثر، حتى إذا قام ملاك هذه الأسهم بعرض أسهمهم للبيع بسعر أقل من السعر الذي عرضه المضارب المتلاعب ظنًا منهم بوجود خبر سيئ عن السهم، ولم يبق إلا دقائق أو ثوان معدودة على افتتاح السوق قام هذا المتلاعب بإلغاء أوامر العرض، وشراء ما يستطيع من الأسهم المعروضة، حتى إذا بدأ السهم بالصعود وأقبل المتعاملون على الشراء قام هو بالبيع عليهم، محققًا كسبا ماليا على حسابهم، يتمثل في فارق السعر. 

٣- نشر الشائعات والأكاذيب، والترويج للأخبار، وتسريب معلومات خاطئة عن شركة من الشركات، والترويج لهذه المعلومات والشائعات في وسائل الإعلام المختلفة، ومنتديات الإنترنت، مع القيام بعمليات تداول مصاحبة لهذه الأخبار والشائعات؛ مما يؤثر في سعر أسهم تلك الشركة ارتفاعا أو انخفاضا. فمثلاً قد يقوم أصحاب هذه الشائعات بنشر أخبار سيئة كاذبة عن شركة معينة؛ ليدفعوا صغار المستثمرين إلى بيع أسهمهم في تلك الشركة، مما يؤدي إلى انخفاض أسعارها بسبب كثرة العرض، فيقوم هؤلاء المخادعون بالشراء عندئذ، حتى إذا تبينت الأمور، وظهرت الحقائق فيما بعد واتجهت الأسعار إلى الصعود، وبادر الجمهور إلى شراء الأسهم التي باعوها بخسارة، وواصلت الأسعار ارتفاعها، قام هؤلاء المخادعون بتصفية محافظهم، وباعوا ما كانوا قد شروه بالأسعار الجديدة المرتفعة، مما قد يدفع بالأسعار إلى النزول مرة أخرى بسبب كثرة العرض، والنتيجة مزيدا من الخسائر على صغار المستثمرين. 

وتجدر الاشارة بان الحكم الشرعي لتداول الاسهم والاستثمار الاباحة الا ما ورد دليل بتحريمه مثل الممارسات المذكورة سابقا، والذي عليه عامة العلماء والباحثين المعاصرين هو جواز المضاربة (المتاجرة) بالأوراق المالية؛ وذلك لعموم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (سورة البقرة 270 )،  فقد دلت هذه الآية على إباحة كل بيع إلا ما خص بدليل، وبيع الأسهم داخل في هذا العموم؛ لعدم الدليل المعتبر على المنع منه، وإذا جاز بيعها جازت المتاجرة بها لعموم الأدلة الدالة على جواز التجارة، مثل حديث الرسول عليه الصلاة والسلام : (إنَّ التُّجارَ يُبعثون يومَ القيامةِ فُجارًا ؛ إلا من اتَّقى اللهَ ، وبَرَّ وصدق). فيدخل في ذلك التجارة بالأسهم. 

 

 

المراجع: 

 

الأسواق المالية من منظور إسلامي، د. مبارك سيلمان ال فواز. جامعة الملك عبدالعزيز. 

صحيح ابن حيان وسنن الترمذي و ابن ماجه ، كتاب البيوع وكتاب التجارات. 

اتجاه معاصر في إدارة المنشآت والأسواق المالية، د. نادية أبو فخرة مكاوي. مكتبة النهضة العربية. 

 

 

 

خاص ألفابيتا