إلى أي مدى يمكن أن ترتفع أسعار النفط؟

18/11/2021 0
د. نعمت أبو الصوف

رغم تراجع أسعار النفط في الأسبوع الماضي، إلا أن هذا ليس هو نهاية المطاف لها. السؤال الذي يقلق كبار المستهلكين الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن ترتفع أسعار النفط؟ الإجابة في الوقت الحالي ليست التي يريدون سماعها. قبل ستة أعوام، قال بوب دادلي، رئيس شركة بريتيش بتروليوم السابق، إن أسعار النفط ستكون منخفضة لفترة طويلة. لكن ذلك كان قبل ستة أعوام. اليوم، يتوقع المحللون أسعار نفط أعلى لفترة أطول. لقد وصلت أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها في سبعة أعوام - فوق 80 دولارا للبرميل - ويراهن المحللون أن أسواق الطاقة الصعودية لديها مجال أكبر للبقاء عند هذه المستويات - على الأقل حتى منتصف عام 2022. في هذا الجانب، توقع بعض أكبر البنوك، مثل بنك جولدمان ساكس أن يصل النفط مرة أخرى إلى مستوى 100 دولار للبرميل. في حين توقع بنك أوف أمريكا أن يصل النفط إلى 120 دولارا للبرميل بحلول عام 2022. وأشاروا إلى أن تشدد السوق لا يزال دون حل، وأن الطلب القوي الحالي على النفط لا يزال يدفع بهذا الاتجاه على المدى القريب، وستتطلب الطبيعة الهيكلية المتزايدة لتشدد السوق أسعار نفط أعلى لفترة طويلة الأمد. وبنك يو بي إس UBS متفائل أيضا بشأن النفط. حيث قال الخبراء الاستراتيجيون في البنك السويسري في مذكرة في وقت سابق من هذا الشهر: إن إمدادات النفط كانت أقل من الطلب، مشيرين إلى أن مخزون النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند أدنى مستوى منذ 2015.

والتطورات الأخيرة في "أوبك" تشير أيضا إلى أن أسعار النفط ما زال أمامها فرصة للارتفاع. حيث رفعت المملكة أخيرا سعر البيع الرسمي لشهر كانون الأول (ديسمبر) لنفطها العربي الخفيف لآسيا بمقدار 1.40 دولار للبرميل إلى علاوة قدرها 2.70 دولار للبرميل فوق متوسط نفوط عمان / دبي، ما يشير إلى توقعات باستمرار الاختلال بين العرض والطلب. وتجدر الإشارة إلى أن المملكة رفعت الأسعار حتى بعد انخفاض واردات النفط الصينية في تشرين الأول (أكتوبر) تحديدا بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية. ذكرت "رويترز" أن واردات الصين كانت الأدنى في ثلاثة أعوام، حيث وجدت المصافي الحكومية أن الأسعار مرتفعة للغاية، في حين أن المصافي المستقلة مقيدة بحصص الاستيراد المنخفضة.

تعود جذور ارتفاع أسعار النفط الخام إلى الوباء، الذي دفع أسعار النفط في ربيع عام 2020 لفترة وجيزة إلى المنطقة السلبية. أصبح الانهيار الاقتصادي الناجم عن الجائحة حافزا آخر للتحول في قطاع الطاقة، ما دفع شركات النفط التي تتعرض بالفعل لضغوط من والمستثمرين والعملاء، إلى تحويل التركيز والاستثمار نحو تقنيات الطاقة النظيفة مع انخفاض الطلب على النفط إلى أدنى مستوياته التاريخية.

في هذا الجانب، ألقت المملكة أكبر منتج للنفط في "أوبك" باللوم على قلة الاستثمار في تطوير النفط والغاز في ارتفاع الأسعار. لكن الفائض الكبير في إمدادات النفط الذي أدى إلى انهيار الأسعار عام 2020، فرض أيضا نظاما جديدا على "أوبك" لكبح الإنتاج - وهو نظام استمر حتى بداية هذا الشهر حين تمسكت "أوبك+" بخطتها لزيادة الإنتاج تدريجيا رغم مناشدات الولايات المتحدة وغيرها من كبار المستهلكين لزيادة الإنتاج بصورة أكبر. في غضون ذلك، يحافظ منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة على انضباطهم المالي، ويعززون الإنتاج بحذر، ولا يزال أقل بنحو مليوني برميل يوميا من ذروة ما قبل الوباء البالغة 13.1 مليون برميل يوميا، وفقا لإدارة معلومات الطاقة. نتيجة لذلك، انخفضت مخزونات الخام التجارية الأمريكية بنسبة 6 في المائة أقل من المتوسط لهذا الوقت من العام.

لقد أدى تقليص الإمدادات وانتعاش الطلب مع خروج الاقتصاد العالمي من الوباء إلى ارتفاع أسعار الطاقة التي تجاوزت بكثير الزيادات في السلع والخدمات الأخرى. على سبيل المثال، ذكرت وزارة العمل الأمريكية أخيرا أن تكلفة الخروج لتناول العشاء ارتفعت بنسبة 4.5 في المائة خلال فترة الـ 12 شهرا المنتهية في أيلول (سبتمبر) في حين ارتفعت أسعار الطاقة بأكثر من 40 في المائة.

عادة ما يؤدي الارتفاع السريع في أسعار النفط إلى تصحيح من خلال توفير حوافز لشركات النفط لزيادة الإنتاج والعملاء على تقليل الاستهلاك. لكن تراجع الاستثمار في مشاريع النفط والغاز، واختناقات سلسلة التوريد التي تجعل من الصعب الحصول على المواد والمعدات للاستكشاف والإنتاج، والطلب القوي أوجدت مجموعة من قوى السوق التي ينبغي أن تستمر في دعم الأسعار المرتفعة. يشير عديد من العوامل إلى سيناريو لأسعار سلع أعلى لفترة أطول.

والصناعة النفطية ترى أيضا مثل هكذا سيناريو: أسعار نفط أعلى لفترة أطول. في هذا الجانب، قال رئيس اتحاد تكساس للمنتجين المستقلين وملاك حقوق الملكية، وهي مجموعة تجارية، إنه يتوقع ارتفاع أسعار النفط بالقرب من 90 دولارا للبرميل والبقاء هناك على الأقل خلال فصل الشتاء. وأشار إلى أن العوامل التي تدعم وجهة النظر هذه هي: انخفاض الاستثمار في عمليات الحفر الجديدة، مشكلات سلسلة التوريد التي تعمل على إطالة أوقات التسليم للمعدات والمواد، واستمرار الطلب القوي. كما يتوقع كبير محللي النفط في خدمة معلومات أسعار النفط التابعة لـ IHS Markit أن يرتفع النفط بالقرب من 90 دولارا للبرميل، مدعوما أيضا بارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا التي تدفع محطات توليد الطاقة والعملاء الصناعيين الآخرين إلى التحول إلى الفحم والنفط.

ربما يكون سيتي بنك Citi Bank استثناء واحدا من المجموعة التي تتوقع أسعار نفط أعلى لفترة أطول. رغم أن البنك يتوقع أيضا ارتفاع الأسعار هذا الربع، إلا أنه يتوقع أيضا أن يكون إنتاج النفط الأمريكي أقوى بكثير في العام المقبل: قد ينمو أكثر بكثير من أي دولة من دول "أوبك" عام 2022.

يبدو أن مستوى السعر البالغ 90 دولارا للبرميل هو نقطة التقاء عديد من محللي السلع، على الأقل في المدى القريب. مع عدم استعداد مجموعة "أوبك +" التدخل وزيادة الإنتاج أكثر من المتفق عليه، فإن مثل هذه الأسعار ممكنة تماما. في الوقت الحالي، هناك احتمالات بألا ترفع المجموعة إنتاجها بما يكفي لدفع الأسعار إلى الأسفل، ما يعني أن إمكانية الاتجاه الصعودي تظل كبيرة، على الأقل حتى يتم الوصول إلى النقطة التي تبدأ فيها الأسعار في التأثير على الطلب وينخفض بشكل طبيعي، ما يؤدي إلى سحب الأسعار معه.

 

نقلا عن الاقتصادية