شيفرون Chevron تستثمر 600 مليون دولار في منتج بكتيري

16/11/2021 0
د. محمد ابراهيم الغنيم

البداية كانت صورة مجهرية صادمة لخلية دم بيضاء ...الخلية من النوع المبتلع... كانت تؤدي مهامها المناعية في بطانة أمعاء حين وقعت بين يدي باحث صورها ونشر صورها وهي تحوي بداخلها قطعة بلاستيك متناهية الدقة ! منشأ الصدمة حداثة المواجهة والجهل بالتبعات والدلالات، فالصورة في نظر علماء المناعة لا تقل بشاعتها عن صورة طيور النورس ميتة على الشواطئ وحواصلها ملئا بنفايات البلاستيك.

للوهلة الأولى سيقع الاتهام على التطبيقات التي تستخدم فيها دقائق البلاستيك الصغيرة جدا كصناعة مستحضرات التقشير مثلا، حيث يمكن أن ينتج من جلسة تقشير صباحية واحدة 50 -100 الف قطعة بلاستيك مجهرية، ولكن حملة التقصي التي تمت في أوروبا والولايات المتحدة لم تبرئ تلك التطبيقات بقدر ما اتهمت جميع المنتجات البلاستيكية بعد ان رصدت أنواعا مختلفة ومقاسات مختلفة من جسيمات البلاستيك في المياه والأسماك والقواقع وغيرها، تسربت الاخبار لوسائل التواصل والصحافة، وفي 15 مارس من العام 2018 حرر ديفيد شوكمان تقريرا في موقع بي بي سي البريطانية حول دقائق البلاستيك في مياه الشرب المعبأة التي تباع في الأسواق الأوروبية واشتمل الخبر على صور لماركات شهيرة! وتوالت بعدها عشرات التقارير حول الموضوع ، تم ترحيل الضغوط من الحكومات الاوربية إلى منظمة الصحة العالمية التي لم تمنعها أزمة كورونا من التصدي للأمر وعقد لقاء صحفي – عن بعد- مع مندوبي الصحافة الغربية وقد تم نشر نص الحوار بموقع المنظمة بتاريخ 20 أغسطس من العام 2019 بواسطة مدير الاتصال كريستيان ليندمير، والذي خرج منه الصحفيون بتطمينات ووعود بدراسة التأثيرات السامة الخلوية وتأثير ابتلاع دقائق البلاستيك على مناحي الاستجابات المناعية .

ومن المواقف المؤثرة في تلك الفترة ما قامت شركة بريطانية أسمت نفسها لاحقا NotPla -ويمكن أن نترجمها " لا بلاستيك"- بتوزيع 30 الف عبوة ماء بلاستيكية قابلة للأكل على متسابقي ماراثون لندن للجري والذي أقيمت فعالياته بتاريخ 28 ابريل من العام 2019م، والعبوة مصنعة من مادة بلاستيكية مستخلصة من طحالب بنية يلفظها البحر على الشواطئ البريطانية في تذكير للعالم بإمكانية التوصل لحلول قابلة للاستدامة.

بعد عام تقريبا دخلت شركة شيفرون Chevron العالمية على الخط من خلال عقد شراكة مع "دانيمر العلمية" بقيمة 600 مليون دولار يهدف إلى تطوير طرق التصنيع منخفضة التكلفة للبلاستيك الحيوي، وقد يظن القارئ غير المتخصص لإعلانهما عن المشروع أنه منافسة لمشاريع منتجات البلاستيك الحيوي التي تنتجها شركات كبرى منذ عشرات السنين من خامات نباتية والتي استحوذت على ما نسبته 1-2% من سوق البلاستيك ولا ينتظر من تقنياتها أن تتجاوز تلك الحصة حيث لا يمكن التعويل على الذرة والنباتات عموما أو نفاياتها في انتاج معتبر للبلاستيك الحيوي ولا الوقود الحيوي لاعتبارات بيئية ومناخية، ولكن المستجد في الساحة العلمية إمكانية دفع بعض أجناس البكتيريا في مفاعلات حيوي نحو بناء ومراكمة بوليستر داخل خلاياها ليستخلص لاحقا كبلاستيك حيوي ميكروبي قابل للاستدامة حيث من الممكن تنمية هذه البكتيريا على مختلف أنواع النفايات السائلة بما فيها الحماة المنشطة بمحطات الصرف الصحي.

وعموما فإن تسلسل الأحداث في الحقيقة ليس ببساطة السرد أعلاه ولكن أردته سياقا لبيان ما يمكن أن تتكفل بها الطحالب والكائنات الحية الدقيقة من حلول لكثير من المشكلات، ولإيضاح السبب وراء تبني مشروع " نيوم " قطاع التقنية الحيوية ضمن جملة مشاريع المستقبل.

ومن الطريف في هذا النوع من السلوكيات البكتيرية أنني عندما كنت اعمل على رسالة الدكتوراة وموضوعها حول سلوكيات البكتيريا الجماعية في المفاعلات الحيوية وتبين لي أن ممارسات الخلايا ذات العلاقة بمراكمة البوليمرات داخل الخلايا وقيامها بتذويب ما قامت بمراكمته وطرحه في البيئة يمكن ان تتدخل فيه بمجرد ايهام البكتيريا بأن الظروف البيئية أصبحت غير مواتية أو بان المجتمع البكتيري يخاطب هذه البكتيريا بضرورة القيام بالمراكمة في نظام اتصال يعرفه المتخصصون باسم "Quorum sensing".

 

خاص_الفابيتا