من أكفأ أدوات تنمية المدن الكبرى التركيز على خلق مدن وقرى مصغرة ومتخصصة، تنشأ على مساحات غير مستغلة داخل نطاقها العام، وبما يحقق هدف التنمية العاجلة، وتمكين المدينة الكبرى من أدوات النجاح، وخفض تكاليف الإنشاء، إضافة إلى التحكم في التصميم العام وفق رؤية تخطيط المدن الحديثة. أجزم أن مدينة الرياض باتت من أهم نماذج التنمية الحديثة، برغم تحديات المساحة الشاسعة، وإعادة تصميم الأحياء السكنية والشوارع الرئيسة ومكونات المدينة الأخرى.
ومنذ إطلاق رؤية 2030 بات التركيز التنموي على مدن المملكة عموما والرياض على وجه الخصوص، بصفتها العاصمة السياسية والاقتصادية، ولميزتها التنافسية وعدد سكانها، كما أصبحت المدن الجديدة، والمدن المصغرة والمتخصصة منهاجا لخطط التنمية الحديثة في المملكة. وقد حظيت الرياض مؤخرا بإطلاق المدينة الإعلامية، ثم إنشاء مدينة القدية، السياحية الترفيهية الرياضية، والمدن البيئية، وأخيراً مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية التي أعلن عنها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتشكل فيما بينها منظومة تنموية متناغمة تزيد في جاذبية الرياض وتنافسيتها وحجم اقتصادها.
ومن الجميل أن يكون هناك تناغم بين أهداف رؤية 2030 والمشروعات الكبرى والبرامج النوعية، حيث شددت رؤية المملكة 2030 على تعزيز دور القطاع غير الربحي ورفع مساهمته في الاقتصاد، وتحويله إلى قطاع يعتمد الإبداع في خلق البرامج، والرقمنة في عملياته التشغيلية، والأمان في مدخلاته ومخرجاته النوعية. لذا جاء الإعلان عن المدينة غير الربحية معززا للقطاع عموما، ومحققا لأهداف الرؤية، وداعما للاقتصاد والشباب، واهتماماتهم في ريادة الأعمال والقطاع التكنلوجي عموماً.
إنشاء أول مدينة غير ربحية في العالم هو ترجمة حقيقية لرؤية سمو ولي العهد التنموية، وحرصه على تعزيز القطاع غير الربحي، الذي يجمع بين العمل الإنساني والتنمية الاقتصادية والتنمية السكانية وفق منظور حديث يعتمد التنمية البشرية أساساً له. ولعلي أربط بين مؤسسة مسك الخيرية، وما قامت به من أعمال تنموية واسعة، وتطوير لقدرات الشباب وتمكينهم وإكسابهم المعارف المطلوبة وأدوات القيادة الملهمة، وبين المدينة غير الربحية التي استلهمت فكرتها من تجارب السنوات الماضية، ودفعت نحو نطاق أوسع من التمكين وصناعة الإنسان وتنمية المكان وفق رؤية مستقبلية تعتمد الإبداع والابتكار والرقمنة أساساً لها. فمن المتوقع أن تكون المدينة مركزا إقليميا وعالميا للابتكار والإبداع والتكنلوجيا، وحاضنة للمبدعين والمبتكرين والمبادرات التقنية المهمة، إضافة إلى اهتمامها النوعي بالبيئة وتوفير الخدمات الشاملة المعززة لجودة الحياة، ومنها الخدمات السكنية والتجارية والترفيهية والثقافية.
التركيز على تأهيل القيادات الشابة وجعلها من أولويات المدينة، أمر ينسجم مع التحولات التنموية الكبرى التي يقودها سمو ولي العهد، والتي تتطلب وجود كفاءات سعودية قادرة على تحمل المسؤولية والقيام بأعباء التنمية ومتطلبات الدولة وقيادة المجتمع وتطويره.
وبالرغم من أهمية إنشاء المدينة غير الربحية، إلا أن انعكاساتها التنموية لن تتوقف على محيطها الجغرافي بل ستمتد إلى مدينة الرياض التي ستزداد تميزاً باحتضانها اول مدينة في العالم تعنى بالقطاع غير الربحي، وتحقق المواءمة الرقمية، وتوفر حاضنة رئيسة للإبداع والابتكار، وتركز على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والروبوتات، وتهتم بالفنون وتحتضن العديد من الأكاديميات والكليات المتخصصة، ما يدعم تمكين استراتيجية مدينة الرياض وهدف دخولها بين أفضل عشر مدن في العالم. من المتوقع أن تسهم المدينة في جذب التدفقات الاستثمارية الجريئة التي تبحث عن الفرص الاستثمارية النوعية، خاصة وأنها تجمع بين الجانب التنموي للإنسان والمكان، والجانب الاستثماري المحقق للاستدامة، والجانب الرقمي الذي تقوم عليه المدينة والمتوافق مع رؤية المملكة والمحقق لجانب مهم من الاقتصاد المعرفي.
مدينة الأمير محمد بن سلمان غير الربحية هي جوهرة مضيئة، تضاف إلى الجواهر التنموية المتميزة داخل مدينة الرياض الكبرى، والهادفة إلى بناء المستقبل وتحقيق إستراتيجية التنمية التي يقودها عراب الرؤية، سمو ولي العهد ويعمل على تحقيق متطلباتها واهدافها وبما ينعكس إيجاباً على الوطن والمواطنين.
نقلا عن الجزيرة