نظراً لأهمية الأمور التي سيناقشها مؤتمر تغيير المناخ (كوب - 26) الذي سيعقد في غلاسكو باسكتلندا خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تحت رعاية الأمم المتحدة، بحضور ملوك ورؤساء الدول، يتوقع بروز عدة مواضيع مثيرة للجدل. وهذا أمر غير مستغرب في ضوء أهمية الأمور التي ستتم مناقشتها، والمصالح الضخمة للدول المعنية.
وأثار ألوك شارما، رئيس مؤتمر «كوب - 26» وزير الدولة لشؤون المؤتمر عضو مجلس العموم ومجلس الوزراء البريطاني، أحد هذه الخلافات في آخر خطاب ألقاه في باريس قبل انعقاد المؤتمر، حيث قال إنه سيدعم في غلاسكو موقفاً مفاده أنه يجب على جميع الدول تخفيض الانبعاثات خلال هذا العقد لإيقاف زيادة درجة حرارة الأرض، مقابل معدلها قبل العصر الصناعي، إلى 1.50 درجة مئوية أو أقل.
واعترض بشدة على خطاب شارما في باريس الرئيس الفرنسي لمؤتمر «كوب - 25» رئيس الوزراء السابق لوران فابيوس الذي كان حاضراً في المحاضرة. ونقلاً عن دورية «بوليتكو»، ناقض السياسي الفرنسي تفسير شرما لاتفاقية «كوب - 25»، مشيراً إلى أن «(اتفاقية باريس) تؤكد إمكانية زيادة معدل الانحباس الحراري العالمي إلى ما هو أقل بكثير عن 2 درجة مئوية حرارية، في مقابل ما قبل العصر الصناعي، ومحاولة الحد من زيادة درجة الحرارة إلى 1.50 درجة مئوية، قياساً بمعدل ما قبل العصر الصناعي».
وتضيف دورية «بوليتكو» أن الاتحاد الأوروبي يدعم وجهة نظر شرما حول الهدف المبتغى من «كوب - 26»، وهو «المحافظة على 1.50 درجة»، كما تدعمه الدول المتأثرة سلبياً بارتفاع الانحباس الحراري. أما الدول المعارضة ذات الانبعاثات العالية، مثل الصين، فتعارض «اتفاقية باريس» على محورية «1.50 درجة مئوية». وتضيف «بوليتكو» أن «نجاح أو إخفاق (كوب - 26) سيعتمد على هذا الأمر»، وكذلك مدى نجاح «اتفاقية باريس» نفسها.
وصرح شارما، بعد كلمته في باريس، إلى «بوليتكو» بأن «(اتفاقية باريس) واضحة جداً»، وأن الدفع بزيادة الانحباس الحراري 1.50 درجة مئوية «هو أساس اتفاق غلاسكو».
ومن جانبه، صرح فابيوس إلى «بوليتكو» بأن «هدف 1.50 درجة مئوية كان أمراً طموحاً، وأن (اتفاقية باريس) سيتم العمل بها إذا لم يتم تحقيق هذا الهدف». وأضاف لدورية «بوليتكو» أنه «منذ (اتفاقية باريس)، وضح كثير من العلماء أن 1.50 درجة مئوية هو الحد الأقصى... لكن لنضع هذا الأمر جانباً الآن. يجب أن نضع في الحسبان أن الأمر الأهم هو اتخاذ خطوات عملية، وأن تنفذ الدول ما تعهدت به».
وبالفعل، فإن تفسير ما تعهدت به الدول سيشكل محوراً مهماً في محادثات غلاسكو. فالدول الفقيرة القليلة الانبعاثات ستطالب الدول ذات الانبعاثات العالية بالالتزام بـ1.50 درجة مئوية. وستسأل إيطاليا زعماء دول مجموعة العشرين تأييدها في ذلك في أثناء اجتماع قمة الدول العشرين في روما خلال نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، قبيل انعقاد «كوب - 26».
وأضاف شارما، في تصريحه لدورية «بوليتكو»، أن مداولات المؤتمر يجب أن تعكس «مصداقية» لما ستنفذه الدول للتغيير المناخي؛ بمعنى تحقيق ما تلتزم به الدول، ودراسة كيف يمكن تحقيق خطوات أكثر فاعلية. كما يضيف شرما أنه من دون تنفيذ التزامات الحكومات خلال هذا العقد، فإن درجة الحرارة سترتفع 2.7 درجة مئوية بنهاية هذا العقد.
ويشكل معدل ارتفاع درجة الحرارة خلال هذا العقد إحدى نقاط الخلاف المهمة في المؤتمر. وتكمن أهمية هذا الخلاف في كونه يشكل تبايناً في تفسير «اتفاق باريس» لعام 2015 الذي أصبح يشكل القاعدة الأساسية لسياسات تغيير المناخ.
لكن هناك خلافات أيضاً حول مدى تنفيذ التعهدات التي التزمت بها الدول. ويكمن أحد التباينات هنا في اختلاف المعايير أو تفسيرها حتى الآن، وهي التي تعد ضرورية للسير قدماً بالتغيير المناخي على أسس واضحة. والمثال على ذلك هو ما يتعلق بتسعير ثاني أكسيد الكربون الذي سيتم شفطه وتخزينه، ومن ثم استعماله.
كذلك فإن هناك مسألة الطاقات المستدامة النظيفة (من دون الانبعاثات). فهل هي محصورة بالطاقة الشمسية والرياح؟ وماذا عن الوقود الهيدروكربوني النظيف (الخالي من الانبعاثات)؟ وماذا عن الطاقة النووية؟
هناك وجهات نظر متعددة بخصوص تحديد الطاقات النظيفة. والسؤال الأساسي هنا: هل تفي طاقة الرياح والطاقة الشمسية بالطلب العالمي على الطاقة كله؟ والجواب -كما أخذ يتضح بعد الجائحة- أن هناك طلباً متزايداً على النفط والغاز. وهناك، من جهة أخرى، النقاش حول إمكانية استعمال الطاقة النووية (النظيفة الخالية من الانبعاثات أيضاً).
ويكمن التحدي في وجود حركات ناشطة في الدول الصناعية تحاول الحد من استعمال الطاقات النظيفة المتمثلة بالرياح والطاقة الشمسية، دون الوضع في الحسبان ما هو لازم ضروري لتوفير طاقات نظيفة وافية لدول العالم جمعاء، ناهيك من احتياطات الثروات الطبيعية الضخمة والمصانع والمنشآت والبنى التحتية المتوفرة عند كثير من الدول النفطية والغازية التي يمكن أن تنتج -وقد بدأ بعضها فعلاً إنتاج- الطاقة النظيفة. والأمر نفسه ينطبق على إنتاج الطاقة النووية النظيفة، كما تخطط فرنسا لذلك مستقبلاً.
نقلا عن الشرق الأوسط