خلال الأسبوع الماضي، أطلقت منظمة أوبك تقريرها السنوي "آفاق النفط العالمية 2021" في أمانة المنظمة في فيينا. نشر هذا التقرير لأول مرة في 2007. يشرفني أن أكون من المساهمين الرئيسين في الإصدارات الأربعة الأولى من هذا العمل. وبحسب التقرير الجديد، "من المتوقع أن يزداد الطلب العالمي على الطاقة الأولية بنسبة 28 في المائة في الفترة بين 2020 و2045، مع جميع مصادر الطاقة، مدفوعا بمضاعفة حجم الاقتصاد العالمي المتوقع وإضافة نحو 1.7 مليار شخص إلى عدد السكان في جميع أنحاء العالم بحلول 2045". من جانبه، أوضح الأمين العام للمنظمة، أن معظم هذا النمو السكاني – 80 في المائة – سيكون في الدول النامية الفقيرة التي تواجه الآن وباء آخر إلى جانب جائحة كورونا وهو فقر الطاقة. الأرقام هنا كبيرة، فعلى الرغم من كل الجهود التي تبذلها الدول حول العالم لمكافحة فقر الطاقة، لا يزال هناك أكثر من 800 مليون شخص في الدول النامية لا يحصلون على الكهرباء.
في هذا الصدد، شدد الأمين العام على أنه "في المستقبل المنظور، ستكون هناك حاجة إلى جميع مصادر الطاقة". وحذر من أن هناك كثيرا من التوترات والصراعات المتعلقة بالطاقة، القدرة على تحمل التكاليف، أمن الطاقة وخفض الانبعاثات، التي تتطلب اهتماما من صانعي السياسات. التركيز فقط على واحدة من هذه القضايا مع تجاهل الأخرى يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير مقصودة، مثل تشوهات السوق وتقلب الأسعار الذي نشهده اليوم. وقد ظهر هذا في الأسابيع الأخيرة، وأكثر من ذلك في الأيام الأخيرة.
من ناحية الطلب على النفط، قالت "أوبك"، إن الطلب على النفط سينمو بشكل كبير في الأعوام القليلة المقبلة مع تعافي الاقتصاد العالمي من الجائحة، مضيفة أن العالم بحاجة إلى مواصلة الاستثمار في إنتاج النفط لتفادي أزمة الطاقة، حتى مع المضي في تحول الطاقة. وتوقع التقرير أن يستمر الطلب في الارتفاع حتى منتصف العقد المقبل ليصل إلى 108 ملايين برميل يوميا، وبعد ذلك يستقر حتى 2045. ولاحظ التقرير أن ذروة الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ستكون بالفعل في 2025، وبعد ذلك سينخفض استهلاك النفط، في حين سيستمر نمو الطلب في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية طوال فترة التنبؤ. من المقرر أن تنمو مصادر الطاقة المتجددة "عدا الكهرومائية" والغاز الطبيعي بأكبر قدر بين 2035 و2045، حيث من المتوقع أن يظل الطلب على النفط ثابتا. ستستمر مصادر الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي في لعب دور مهم في مزيج الطاقة العالمي. لكن، على الرغم من استقرار الطلب على النفط بعد 2035، سيظل النفط مصدر الطاقة الأول في 2045.
يتصدر قطاع النقل البري الطلب على النفط، يليه قطاع الطيران والبتروكيماويات. على الرغم من أن القيود المفروضة على السفر والتنقل بسبب الوباء قد أضرت بقطاع النقل بشدة، إلا أن المنظمة ترى أن الصورة طويلة الأجل لا تزال متفائلة. حيث إن هناك إمكانات هائلة للتوسع في أساطيل الركاب والمركبات التجارية، خاصة في الدول النامية. وبالانتقال إلى السيارات الكهربائية، توقع التقرير أن يقترب عدد هذه السيارات من 500 مليون بحلول 2045، وهو ما يمثل نحو 20 في المائة من الأسطول العالمي بحلول ذلك الوقت. ومع ذلك، ستحتفظ مركبات الاحتراق الداخلي بأكبر حصة في السوق بأكثر من 76 في المائة بحلول 2045. ومن المتوقع أن يظل الطلب على النفط في قطاع النقل البري عند نحو مستوى 46-46.5 مليون برميل يوميا بعد 2025.
من ناحية العرض، من المقرر أن تستمر الإمدادات من خارج "أوبك" في قيادة التعافي. حيث يتوقع التقرير أن يرتفع الإنتاج من خارج دول المنظمة بنحو 7.5 مليون برميل يوميا من أدنى مستوى له في 2020، إلى 70.4 مليون برميل يوميا في 2026. وسيكون ذلك مدفوعا بالنفط الصخري الأمريكي، البرازيل، روسيا، غيانا، كندا وكازاخستان. من المقرر أن يصل إنتاج النفط من خارج المنظمة إلى ذروته في أواخر هذا العقد، تماشيا مع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، ثم ينخفض ببطء إلى 65.5 مليون برميل يوميا بحلول 2045، وهو ما يتوافق مع مستوى ما قبل الجائحة 2019. على المدى الطويل، من المتوقع أن يشهد عدد قليل فقط من المنتجين من خارج "أوبك" نموا في الإنتاج، مثل البرازيل، غيانا، كندا وروسيا، في حين أن آخرين مثل - الولايات المتحدة والنرويج والصين - من المتوقع أن يشهدوا تراجعا.
توقع التقرير، أن يتعافى الطلب على إمدادات "أوبك" من النفط الخام والمكثفات معا، من 30.7 مليون برميل يوميا العام الماضي، ليصل إلى 34 مليون برميل يوميا بين 2023 و2026. ومع وصول الإمدادات من خارج "أوبك" إلى ذروتها في أواخر هذا العقد، ستبدأ الإمدادات من "أوبك" في النمو مرة أخرى، حيث سترتفع من 35.7 مليون برميل يوميا في 2030 إلى 42.7 مليون برميل يوميا في 2045. وهذا يعني زيادة حصة المنظمة من 33 في المائة في 2020 إلى 39 في المائة في 2045.
على المدى الطويل تعتقد "أوبك" أن مستقبل الطاقة لا يزال غير مؤكد، حيث إن تحول الطاقة والجهود المبذولة للقضاء على فقر الطاقة ستدفع الطلب على النفط في اتجاهين معاكسين. لكن، هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن صناعة النفط ستحتاج إلى استثمارات ضخمة على مدار الـ25 عاما المقبلة من أجل تلبية الطلب. في هذا الجانب، أشار تقرير المنظمة إلى أن الصناعة ستحتاج إلى استثمارات تراكمية طويلة الأجل في مجالات التنقيب والإنتاج والتكرير بقيمة 11.8 تريليون دولار بحلول 2045. من جهته، أكد الأمين العام للمنظمة، أنه "من دون الاستثمارات الضرورية، من الممكن حدوث سلسلة جديدة من التقلبات ونقص الطاقة في المستقبل، وهذا لا يصب في مصلحة المنتجين أو المستهلكين".
نقلا عن الاقتصادية