عكس أحدث مؤشرات الأداء الاقتصادي المحلية بنهاية الربع الثاني 2021، استمرار حالة التعافي التي بدأ الاقتصاد الوطني الصعود في سلمها منذ مطلع العام الجاري، مسجلا أول نمو إيجابي له منذ نهاية الربع الثاني من عام 2019 ووصوله إلى معدل نمو سنوي حقيقي يبلغ 1.8 في المائة، مقارنة بالربع الثاني من العام الماضي، ورغم تراجع الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة 7.0 في المائة (جاء أدنى من نسبة تراجع الربع الأول بلغت 12.0 في المائة)، وهو التراجع الناتج عن خفض الإنتاج السعودي التزاما باتفاق تحالف "أوبك +" الذي بدأ من مطلع أيار (مايو) من العام الماضي. بينما في المقابل استمر الناتج المحلي للقطاع غير النفطي في المحافظة على وتيرة نموه التي بدأها من الربع الأول من العام الجاري نفسه (2.9 في المائة)، مسجلا نموا سنويا حقيقيا أعلى بلغت نسبته 8.4 في المائة، كان للنمو الحقيقي المتحقق للقطاع الخاص المساهمة الأكبر فيه، حيث سجل نموا سنويا وصلت نسبته إلى 11.1 في المائة، مقارنة بالنمو السنوي للقطاع الحكومي البالغ 2.3 في المائة.
ويؤمل مع اندفاع أغلب نشاطات الاقتصاد الوطني نحو تسجيل معدلات نمو سنوية إيجابية، أن تستمر بمشيئة الله تعالى نحو مزيد من النمو والانتقال سريعا من حالة التعافي المتدرجة الراهنة، إلى الدخول في سلم الانتعاش المرتقب والاستمرار فيه، والاستجابة لعديد من المحفزات المتجدد العمل على ضخها عبر عديد من السياسات والبرامج الاقتصادية، وتستهدف القطاع الخاص بالدرجة الأولى، وما يمثله من ثقل يناهز 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي "بلغ 60.2 في المائة للقطاع غير النفطي"، يؤمل أن تسهم تلك السياسات والمبادرات مجتمعة في تعزيز قدرة القطاع الخاص على زيادة مساهمته في الناتج المحلي، والنمو الاقتصادي الحقيقي، إضافة إلى تعزيز قدرته على مستوى إيجاد مزيد من فرص العمل المجدية أمام الموارد البشرية المواطنة الباحثة عن عمل.
فعلى مستوى النشاطات التفصيلية للاقتصاد الوطني راوحت بين 17.1 في المائة كأعلى معدل نمو سنوي لنشاط الخدمات الجماعية والاجتماعية والشخصية، ونحو 0.7 في المائة كأدنى معدل نمو سنوي لنشاط الخدمات الحكومية، فيما جاء نشاط الزيت الخام والغاز الطبيعي وحيدا الذي سجل تراجعا سنويا بنسبة بلغت 8.4 في المائة. وعلى مستوى النشاطات الثلاثة الرئيسة "الزراعة، الصناعة، الخدمات"، فقد جاءت نتائجها خلال الربع الثاني من العام الجاري إيجابية لنشاط الزراعة للربع الرابع تواليا بمعدل نمو حقيقي سنوي 2.9 في المائة، وإيجابية أيضا لنشاط الخدمات للربع الثاني تواليا بتسجيله معدل نمو حقيقي سنوي 8.1 في المائة، بينما تباطأت نسبة التراجع لنشاط الصناعة إلى 2.6 في المائة، مقارنة بنسبة انخفاض نموه خلال الربع الأول من العام الجاري البالغة 6.9 في المائة.
تستمد النظرة المتفائلة تجاه مستقبل الاقتصاد الوطني عموما، والقطاع الخاص خصوصا مما تضمنته الملامح الرئيسة مع بدء المرحلة التالية (2021 - 2025) من مسيرة رؤية المملكة 2030، بما تضمنته من مبادرات عملاقة تم الإعلان عنها خلال العام الجاري، وبدعم كبير من الدولة -أيدها الله-، وبالاعتماد على عديد من الأجهزة الحكومية وشبه الحكومية، يأتي في مقدمتها صندوق الاستثمارات العامة المخطط له إنفاق نحو 3.0 تريليونات ريال خلال العقد الجاري، وحالة التأهب الكاملة لاجتذاب مزيد من استثمارات القطاع الخاص بنحو 5.0 تريليونات ريال خلال العقد نفسه، وتدفقات مرتقبة بنحو 4.0 تريليونات ريال تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار، الأمر الذي سينعكس بمجمله على استمرار برامج وسياسات زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بما يعادل 60 في المائة منه في منظور نهاية العقد الراهن، وما سينتج عنها من اعتماد أكبر على المحتوى المحلي، إضافة إلى توسيع خيارات قنوات الاستثمار المحلية، وزيادة أعداد فرص العمل الملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، المقدر ارتفاع أعدادها خلال العقد المقبل بأعلى من 1.1 مليون فرصة عمل جديدة بمشيئة الله تعالى.
ختاما؛ لا بد من التأكيد مجددا في ظل الظروف الراهنة الجيدة لأسعار النفط العالمية، الأخذ في العمل على تخفيف بعض التدابير المالية الاستثنائية التي تم اتخاذها في وقت سابق، ودورها الرئيس على مستوى في تسريع إنعاش الطلب المحلي، وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، اللذين سيسهمان بدرجة كبيرة جدا في نمو التدفقات الداخلة على منشآت القطاع الخاص، وتعزيز قوة مراكزها المالية، وانعكاس كل ذلك إيجابيا على النمو الاقتصادي الكلي. كما سيكون مهما جدا في الطريق الموازي لمسار تلك المبادرات اللازمة هنا، أن يتم تسريع إجراءات تحصيل الرسوم على الأجزاء غير المنتجة من الاقتصاد، في مقدمتها الرسوم على الأراضي البيضاء، التي عدا أنها سترفع من المتحصلات لمصلحة المالية العامة، ستؤدي إلى ما هو أهم من ذلك بعملها على خفض التضخم الراهن في مستويات أسعار الأراضي والعقارات على حد سواء، وما سيليه من نتائج إيجابية ستنعكس على خفض التضخم في كثير من نشاطات ومجالات الاقتصاد، التي سيكون القطاع الخاص "الجزء المنتج من الاقتصاد" من أكبر المستفيدين منها، بانخفاض التكاليف التشغيلية على كاهله، إضافة إلى زيادة اجتذابه مزيدا من الأموال والمدخرات التي طالما اجتذبتها عمليات الاكتناز والمضاربة على الأراضي، إضافة إلى المجتمع الذي ستتحسن مستوياته المعيشية بصورة أكبر، ستوفر له مزيدا من القدرة على الإنفاق الاستهلاكي والادخار على حد سواء.
نقلا عن الاقتصادية