تنفذ الدول الصناعية حاليا سياسات هادفة للتحول إلى صفر الانبعاثات 2050. يشكل هذا الالتزام من قبل الدول الصناعية خطوة مهمة نحو التغيير المناخي والاعتماد الواسع على الطاقات المتجددة بحلول منتصف القرن. وستلعب الدول النفطية دورا مهما في عملية التحول هذه، نظرا إلى احتياطياتها البترولية الضخمة. ومن ثم أهمية السياسات التي ستتبناها في هذا المجال.
لا يقتصر الاهتمام بالتحول على الحكومات. فهو يلزم الشركات قانونيا تنفيذ قواعد مرحلة تحول الطاقة. والأمر لا ينحصر بالدول الصناعية الغربية، فهو يشمل الصين والهند أيضا. على سبيل المثال، وليس الحصر، اتفقت شركة «شل» مع «بتروشاينا» على تزويد الصين على مدى خمسة أعوام بغاز مسال ذي «الكربون الحيادي» الذي يتم التوصل إليه من خلال قيام الشركتين العملاقتين «تحييد انبعاثات الكربون» خلال جميع مراحل إنتاج ونقل الغاز المسال. يتم هذا من خلال قيام الشركتين بفتح «رصيد كربوني دائن» مقابل تبني مشاريع زراعية ضخمة، كالغابات، وذلك لكي تحيد الغابات الانبعاثات الكربونية الناتجة عن طريق استيعاب الكربون الحديث الانطلاق من المشروع. وهذه الطريقة في تجميع وتخزين الانبعاثات بديلة عن تخزين الكربون في الآبار والكهوف الفارغة. إذ إن «التحييد» يضع سقفا لزيادة الكربون نتيجة مشاريع طاقوية جديدة من خلال الغابات التي يتم استحداثها. إذ تقوم الغابات بامتصاص الكربون في الكتلة الحيوية والتربة مما سيؤدي إلى امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو.
أعلنت الحكومة البريطانية مؤخرا منع بيع مركبات النقل الثقيل التي تستعمل الغازولين أو الديزل بداية عام 2040 (وليس 2050). كما أعلنت أن سياسة المملكة المتحدة تنوي تحقيق صفر انبعاثات بعام 2050 لجميع وسائل المواصلات، وذلك بمنع الانبعاثات الكربونية لقطارات سكك الحديد بعام 2050، وتقليص الانبعاثات إلى الصفر من الطائرات في الخطوط الداخلية بحلول 2040.
وتحاول دول صناعية أخرى أيضا تقريب مواعيد الاستحقاقات إلى منتصف الثلاثينات أو الأربعينات. بمعنى أنه يتوقع تقلبات في أسواق البترول قبل حلول منتصف القرن.
سيترك تحول الطاقة بصماته على ثلاثة أوجه للاقتصاد العربي، التي يتوجب التعامل معها: التقلبات المحتملة لأسواق البترول التي قد تؤدي إلى انخفاض الطلب والأسعار. وضرورة تنويع الاقتصاد مما يعني الاستثمار في مجالات اقتصادية متعددة. والاستثمار في منشآت الطاقات المتجددة.
السؤال هو: كيف تتهيأ الدول العربية لمرحلة تحول الطاقة؟ لا يوجد جواب واحد لهذا السؤال. والسبب بسيط. فالدول العربية تختلف في نوعية وطريقة الحكم والإدارة، ناهيك عن التباين في حجم مواردها الطبيعية. كما تختلف في استقرارها السياسي أو عدمه. وتتباين في مدى سيادة بعض الدول واستقرارها.
هذا، ناهيك، عن أن بعض الدول قد بدأت بالخطوات الأساسية لتبني الطاقات البديلة. فـ«رؤية السعودية 2030» تهدف إلى تحييد الكربون في المملكة بحلول 2030 وتغذية محطات الكهرباء بالطاقات المتجددة والغاز الطبيعي في نهاية هذا العقد. وخطة دولة الإمارات بحلول عام 2050 تهدف إلى الاعتماد على الطاقة النووية والطاقات المتجددة بمنتصف القرن بمشاريع تكلفتها 160 مليار دولار. وتتوفر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في عدة دول عربية الآن، منها المغرب ومصر والأردن.
سيؤدي تحول الطاقة إلى تغييرات جوهرية في اقتصاد الدول العربية، من تغييرات في أسواق النفط والغاز، ضرورة التنوع الاقتصادي، والاستثمار في منشآت طاقة جديدة. ستتطلب هذه المهام سياسات اقتصادية مختلفة عن الـ70 سنة الماضية واستثمارات طائلة. لذا يقترح البدء من هذا العقد في استقطاع نسبة نحو 5 - 10 في المائة سنويا من الريع النفطي (كما هو الحال مع الصناديق السيادية) للتحوط للمتغيرات الاقتصادية.
وللدول العربية النفطية دور مهم في تحول الطاقة العالمي هذا نظرا إلى احتياطياتها الهيدروكربونية الضخمة، وذلك من خلال معالجة البترول بتخزين أو تحييد الكربون ومن ثم إنتاج وقود خال من الانبعاثات، بالإضافة إلى تشييد منشآت للطاقات المستدامة (الرياح والشمسية). ويقترح للدول العربية غير النفطية ترشيد الإنفاق والاستفادة من انخفاض قيمة وارداتها من الطاقة وإمكانية الحصول على قروض ميسرة من صناديق التنمية العربية والدولية. وتشكيل لجنة استشارية مسؤولة لمجلس الوزراء من خبراء ومستشاري النفط والطاقة والزراعة والمواصلات والاتصالات والاقتصاد والمالية. تتكون اللجنة من المتخصصين المواطنين، مع إضافة عدد محدود من الخبراء العرب والأجانب. مهمة اللجنة استشارية بحتة لتزويد المسؤولين بالتطورات العالمية في مجال الطاقات المستدامة وتحول الطاقة وأولويات المشاريع الواجب تبنيها ضمن الإمكانات المتوفرة ومدى التأثير على الاقتصاد المحلي.
تشير التجارب العالمية اليوم، دون استثناء تقريبا، إلى تبني الدول سياسة مفتوحة للقطاع الخاص في مجال الطاقة. من ثم، يقترح في هذا المجال فتح المجال للقطاع الخاص للعمل منفردا في مجال الطاقات المستدامة بحسب عوامل السوق ودون دعم، ومشاركة القطاع الحكومي، و/أو تبني سياسة تشجيع القطاع الخاص للمبادرة بتشييد المصانع لإنتاج الآلات والأدوات اللازمة للطاقات المستدامة، إما بشكل انفرادي وإما بمشاركة الشركات الدولية، للاستفادة من خبرتها في التقنية الحديثة أو الرأسمال اللازم. هذا يعني، بطبيعة الحال، أنظمة وقوانين في الشفافية والحوكمة، بعيدة عن تجارب بعض الدول العربية اليوم.
أيضاً الاهتمام بدور النفط والغاز الخالي من الانبعاثات للمحافظة بقدر الإمكان على الأسواق البترولية وأنظمة التغيير المناخي الحديثة. وتشجيع المصارف والمؤسسات المالية على ابتكار المحافظ المالية المناسبة للدول غير النفطية والقطاع الخاص للمشاركة في المرحلة الاقتصادية الجديدة.
نقلا عن الشرق الأوسط