الغاز الطبيعي كجسر للانتقال إلى مرحلة تحول الطاقة

05/08/2021 0
وليد خدوري

يلعب الغاز الطبيعي، خلال السنوات القريبة المقبلة، دور الجسر للانتقال إلى عصر الطاقات المستدامة. يعود السبب في ذلك إلى انخفاض الكربون فيه - نسبياً - إلى بقية أنواع الوقود الأحفوري، بالذات مقارنة بالفحم الحجري الذي يعتبر من أكثر أنواع الوقود الملوث للبيئة.

أدت النسب الأقل للكربون في الغاز الطبيعي هذه، إلى اعتباره «وقود الانتقال إلى عصر الطاقات المستدامة»؛ مما يعني إمكانية استخدامه بشكل واسع أثناء الفترة الانتقالية. لكن ما سيعطي الغاز المسال (وهو الغاز الأكثر تجارة في العالم) دوره المرجح مستقبلاً هو محاولة «تحييده كربونياً».

إن الطريق إلى «صفر الانبعاثات 2050» تواجه تحديات عدة. فمن غير الممكن، ومن غير الواقع، افتراض نهاية الصناعة الهيدروكربونية خلال الفترة الانتقالية هذه، باستثناء إغلاق الدول إغلاقاً كاملاً ونهائياً لصناعة الفحم في الدول الصناعية. ورغم المحاولات العديدة لوضع حد نهائي لصناعة الفحم الحجري، بعد استمرارها عقوداً من التقليص والتهميش، إنْ لأسباب بيئية بحتة أو لأسباب اقتصادية تعود إلى منافسة الغاز لاقتصاديات الفحم. فرغم كل هذه العقبات أمام الفحم، استطاعت الصناعة الاستمرار ولو مهمشة ومتقلصة، وذلك لاعتبارها من قبل الدول المنتجة لها مصدراً طاقوياً وطنياً (محلياً) يعفيها من استيراد الطاقة الأجنبية. ونظراً لدور الفحم سابقاً، تميزت نقابات الفحم بنفوذها السياسي في دولها. وآخر مثال على ذلك، دور صناعة الفحم الأميركية في مساندة دونالد ترمب في حملته الانتخابية الرئاسية لعام 2016، لقاء وعده بمساندة ودعم صناعة ونقابات عمال الفحم رغم احتجاجات المنظمات البيئية.

ويتوقع على ضوء التشريعات العديدة التي تم سنّها في الدول الصناعية، وبناءً على التقدم التكنولوجي المستمر لصناعات الطاقات المستدامة، تقليص الاستهلاك البترولي بحلول منتصف هذا القرن. وفي الوقت نفسه، وبناءً على التجارب العلمية والمحاولات الجارية لسحب وتجميع ثاني اكسيد الكربون من النفط والغاز لـ«تخضيرهما» بحيث تتقلص الانبعاثات منهما إلى الحدود الدنيا الممكنة بحيث يتم استعمال البترول «الأخضر». ثانياً: إمكانية استخراج الهيدروجين من البترول ليصبح الوقود الجديد مستقبلاً. طبعاً، هذا بالإضافة إلى سحب وتجميع الهيدروجين من الماء.

ويتم خلال هذه الفترة إنتاج نحو 95 مليون برميل يومياً من النفط الخام ونحو 375 مليار قدم مكعبة يومياً من الغاز الطبيعي. ويرتفع الطلب على الغاز، بالذات في الأسواق الآسيوية، بحيث ازداد سعر الغاز المسال في جنوب شرقي آسيا إلى نحو 15.60 دولار للمليون وحدة بريطانية. ومعادلات أسعار الغاز مرتبطة بأسعار النفط الخام. فازدياد أسعار النفط مؤخراً إلى أعلى من 75 دولاراً للبرميل قد أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الغاز المسال المصدر إلى الأسواق الآسيوية.

تختلف نتائج الدراسات حول التوقعات المستقبلية. إذ تتوقع دراسة لمؤسسة «ماكينزي» الاستشارية استمرار ارتفاع الطلب على الغاز نظراً لانخفاض انبعاثاته للكربون، ولإمكانات سحب الكربون منه، وذلك في حال النجاح والتقدم التقني في التجارب الجارية حالياً.

لكن تتباين هذه التوقعات مع دراسات أخرى. فرغم الاهتمام والإجماع العالمي لتحسين المناخ، تشير وزارة الطاقة الأميركية من ناحية إلى احتمال زيادة استهلاك الغاز العالمي نحو 40 إلى 45 في المائة بحلول منتصف القرن؛ هذا في الوقت الذي تشير فيه وكالة الطاقة الدولية في دراستها حول «صفر الانبعاثات لعام 2050» إلى أن الطلب العالمي على الطاقة سينخفض 8 في المائة بحلول عام 2050، رغم أن مجموع سكان العالم سيزداد نحو ملياري نسمة عما هو عليه الآن، ناهيك عن تحسن مستوى المعيشة في الدول الناشئة كالصين والهند وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والبرازيل؛ الأمر الذي سيعني بدوره ازدياد استهلاك الطاقة. ومما يثير الغموض أكثر على توقعات وكالة الطاقة الدولية هو معلوماتهم الصادرة مؤخراً التي تشير إلى أنه بعد عقد من الاستثمارات القياسية في الطاقات البديلة، يتم استمرار توسع الاستثمار في مجالات الطاقة البديلة رغم جائحة «كوفيد - 19». فحجم استهلاك الوقود الأحفوري في ازدياد (باستثناء الفحم الحجري)، حيث زود الأخير الأسواق العالمية بنحو 83 في المائة من إمدادات الطاقة في عام 2020.

تكمن أهمية الغاز ليس فقط في صداقته للبيئة، بل أيضاً في الإمكانات المتعددة لاستهلاكه. إذ يستعمل في تغذية محطات توليد الكهرباء، والصناعات البتروكيماوية، وغيرها من الصناعات الثقيلة (الحديد والصلب والألمنيوم)، والتدفئة، وتغذية محطات تحلية مياه البحر، ووسائل المواصلات.

وبسبب التطورات العلمية، فالمجالات واسعة للتوسع في كلٍ من مجالي العرض والطلب. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، استطاعت شركات النفط خلال الأعوام الخمس الماضية من تطوير صناعة التكسير للنفط الصخري ودمجها بصناعة حفر ابار النفط الصخري. وقد نتج من تطوير هاتين الصناعتين في الولايات المتحدة خلال النصف الثاني من العقد الماضي (2015 - 2019) زيادة إنتاج الغاز الصخري الأميركي نحو 70 في المائة. الأمر الذي أدى إلى تغذية السوق الأميركية، بالإضافة إلى التصدير للأسواق الدولية وتزويد إمدادات كبيرة من الغاز الصخري القليل الانبعاثات والمنافس البيئي لإمدادات الطاقة الأخرى بأسعار مناسبة. من الأرجح أن السبب الرئيسي في بروز صعود دور الغاز خلال المرحلة الانتقالية وزيادة الطلب عليه في الفترة المقبلة هو محاولة تحويل الغاز المسال ليصبح «حيادي الكربون» وصديقاً لقوانين البيئة الحديثة.

ومن الجدير بالذكر، أن أبحاث تطوير الطاقات المستدامة تأخذ بنظر الاعتبار أيضاً التنافس مع الطاقات البديلة نفسها، وليس فقط التنافس مع النفط والغاز. فعلى سبيل المثال، لقد تحقق نجاح واسع خلال الفترة الأخيرة في تقليص حجم انبعاثات الميثان. وهناك في الوقت نفسه بحوث جارية لتقليص الانبعاثات الناتجة من طريق تجميع وتخزين الانبعاثات عن تكسير البترول الصخري. وأيضاً، تقليص الانبعاثات من التكرير أو النقل. هذا بالإضافة، إلى تحديث المكائن والأدوات القديمة. ناهيك عن المحاولات الدؤوبة لإيقاف حرق الغاز الطبيعي. وأخيراً وليس آخراً تُجرى الأبحاث الآن لـ«تحييد الكربون» في الغاز المسال.

 

نقلا عن الشرق الأوسط