بعد عدة سنوات من الإشاعات، وبعد تردد واضح من إدارتها، أعلنت «نتفليكس» الأسبوع الماضي عزمها على الاستثمار في قطاع الألعاب لتتبع بذلك مثيلاتها من الشركات التقنية العملاقة مثل «أمازون» و«غوغل» و«مايكروسوفت». وتنوي «نتفليكس» إضافة الألعاب إلى تطبيقها في الهواتف الذكية العام المقبل، ولم تعلن عن أي تاريخ يخص أجهزة التلفزة. دخول «نتفليكس» لعالم الألعاب بدا مفاجئاً للبعض، لا سيما مع بُعد نشاط الشركة عن هذا القطاع، إلا أنه يبدو منطقياً مع وجود الملاءة المالية للشركة التي تؤهلها للاستثمار فيه. فما المغريات التي دفعت بالشركة إلى الدخول إلى هذا القطاع؟ وما الاستراتيجية التي تنوي اتّباعها؟ وما العوائق التي قد تواجهها؟
شهدت اشتراكات «نتفليكس» تراجعات ملحوظة في الفترة الأخيرة قد تكون هي السبب في اتخاذ القرار في هذا الوقت تحديداً، فقد خسرت «نتفليكس» نحو 430 ألفاً من مشتركيها في أميركا الشمالية منذ شهر يونيو (حزيران) فقط! فيما زادت اشتراكات منافستها «إتش بي أو» بنحو 2.4 مليون مشترك. وخسر سهم «نتفليكس» 5% من قيمته في هذا العام، بينما زادت أسهم شركات (S&P 500) بنسبة 16% في المتوسط! وما تشهده «نتفليكس» هذا العام مختلف تماماً عن الازدهار الذي شهدته عام 2020، حيث كسبت «نتفليكس» أكثر من 25 مشتركاً في النصف الأول من العام وحده، بينما نقص عدد المشتركين الجدد في نفس الفترة في هذا العام بنسبة 85%، والسبب في ذلك واضح جداً وهو بداية الجائحة وأثر العزل المنزلي في دعم الاشتراكات الجديدة. وعلى الرغم من ذلك فـ«نتفليكس» اليوم في وضع تُحسد عليه، بعدد مشتركين يزيد على 209 ملايين مشترك، كما بدأت حصتها السوقية خارج أميركا الشمالية في الازدياد، وزادت عوائدها خارج أميركا الشمالية على نصف إجمالي عوائدها لأول مرة منذ إنشاء الشركة، ويُتوقع أن تبلغ هذه العوائد ثلثي عوائدها بحلول عام 2025.
وترى «نتفليكس» أن قطاع الألعاب منافس غير مباشر لها، فوقت الفراغ لدى عملائها قد يُشغل إما بالألعاب وإما بمتابعة الأفلام والمسلسلات، ولذلك فهي ترى أن دخولها لهذا القطاع منطقي جداً للمحافظة على حصتها من وقت العملاء. وقد أوضح استبيان أن نحو 76% من مشتركي «نتفليكس» هم من اللاعبين المستخدمين لأجهزة الألعاب، و69% من المشتركين يلعبون عن طريق تطبيقات الهواتف الذكية، وهي دلالة على أن مشتركي «نتفليكس» واللاعبين هم من نفس شريحة العملاء. لذلك فإن الشركة تنوي إطلاق الألعاب عن طريق تطبيق الجوال ومن دون رسوم إضافية لمشتركيها، للمحافظة عليهم بشكل رئيسي.
وتدرك الشركة أن قطاع الألعاب في نمو مستمر، فبعد أن كانت نسبته من قطاع الترفيه 15% في عام 2019 زادت هذه النسبة الآن لتصبح 19%. وتبلغ عوائد قطاع الألعاب نحو 180 مليار دولار سنوياً، ويُتوقع أن يزيد هذا الرقم ليصل إلى 200 مليار بحلول عام 2023. و«نتفليكس» بالتأكيد تود الحصول على قطعة من هذه الكعكة، ولذلك فمن المتوقع أن تخصص ما بين 5 و10% من ميزانيتها السنوية البالغة 17 مليار دولار للاستثمار في قطاع الألعاب. وتنوي «نتفليكس» استخدام استراتيجية في الألعاب مقاربة لاستراتيجيتها في الأفلام والمسلسلات، وذلك بإطلاق ألعاب خاصة بها، إضافةً إلى ترخيص ألعاب من مطورين خارجيين. كما أنها قد تستخدم ذات الاستراتيجية التي سبق لـ«ديزني» استخدامها في قطاع الألعاب، وذلك بالاستفادة من الشخصيات الشهيرة في مسلسلاتها الخاصة في الألعاب.
إلا أن «نتفليكس» قد تواجه عوائق كثيرة في رحلتها في عالم الألعاب، فهذه الصناعة تحتاج إلى بنى تحتية مختلفة كلياً عن مثيلاتها في قطاع الأفلام، وقد وصف أحد الخبراء في قطاع الألعاب هذا القطاع بأنه مشابه لقطاع الصناعات الدوائية، فهو يحتاج لسنوات طويلة من البناء والاستثمار واكتساب الخبرات وحقوق الملكيات الفكرية أو شرائها قبل النجاح وتحقيق الأرباح. وقد سبق لشركات كبيرة محاولات لدخول عالم الألعاب باءت كلها بالفشل، من هذه الشركات «باناسونيك» في جهازها «ثري دي أو»، و«نوكيا» أيام ازدهارها في جهازها «إن - غيج». كما حاولت «ديزني» خلال السنوات العشرين الماضية دخول عالم الألعاب ثلاث مرات على الأقل، وفشلت في جميع محاولاتها، لتقفل بعد ذلك استديوهاتها للألعاب بشكل كلي.
إن الدخول في استثمارات عالية الخطورة، وفي نفس الوقت واعدة، سلوك يناسب الشركات التقنية الكبيرة، وذلك لامتلاكها السيولة والملاءة المالية التي تؤهلها للحصول على قروض بتكلفة قليلة. إلا أن الدروس التي قد تتعلمها «نتفليكس» من التجارب السابقة قد تجعلها أكثر حذراً وأقل ثقة في نجاح استثمارها في قطاع الألعاب. وقد حاولت ديزني» قبل ذلك اتباع ذات الاستراتيجية في استخدام شخصياتها في ألعابها، إلا أنها ومع ذلك فشلت. وأمام «نتفليكس» منافسون شرسون، فـ«أبل» و«غوغل» تملكان مناصتهما التي يمكن للمستخدمين تحميل الألعاب منها، و«مايكروسوفت» و«سوني» لديهما أجهزة الألعاب الخاصة بهما وبإرث قديم، فكيف لـ«نتفليكس» أن تنافس ذلك كله؟
نقلا عن الشرق الأوسط