هناك من يحقق آلاف الريالات شهريا بممارسة الأعمال الحرة، من خلال واحدة أو أكثر من منصات الأعمال الحرة، أو التي تسمى منصات المستقلين، التي يوجد كثير منها في المملكة، وفي الوطن العربي، وفي العالم. تتميز هذه المنصات بالمرونة العالية من حيث أوقات العمل وطبيعة الأعمال التي يقدمها الشخص المستقل. فهي مناسبة لمن ليس لديه عمل حاليا، كطلبة الجامعات والعاطلين عن العمل، ومناسبة كذلك للموظفين كافة ممن يرغبون في رفع دخلهم الشهري من خلال تقديم بعض الخدمات في أوقات الفراغ، ومناسبة كذلك لمن يريد العمل ولكن ليس من خلال وظيفة رسمية لها ساعات عمل محددة والتزامات صارمة وارتباطات.
لذا، سمي هؤلاء الأشخاص المستقلين، وباللغة الإنجليزية يطلق عليهم Freelancers، وهذا النوع من العمل معروف منذ عشرات الأعوام، غير أن شعبيته ازدادت مع ظهور الإنترنت، غير أن القبول به من قبل المستقلين، ومن قبل أصحاب العمل، تزايد بشكل لافت في عام 2020 نتيجة تداعيات جائحة كورونا وحاجة الناس إلى ممارسة أعمالهم عن بعد.
بحسب واحدة من أكبر منصات الأعمال الحرة في العالم، منصة Upwork، بلغ عدد الذين يقدمون أعمالا حرة في الولايات المتحدة أثناء الجائحة 59 مليون شخص، وهذا يشكل أكثر من ثلث القوى العاملة، ويسهم في نحو 1.3 تريليون دولار للناتج المحلي الأمريكي. وفي المملكة المتحدة، عدد المستقلين نحو مليوني شخص، معظمهم يعملون بشكل دائم كمستقلين، ونسبة كبيرة من الخدمات التي يقدمونها إلكترونية. وحتى قبل أزمة كورونا كانت أعداد المستقلين في ازدياد، وكانت نسبة من يعملون عن بعد بشكل كامل تتجاوز 25 في المائة.
في المملكة يوجد عدد من المنصات السعودية، سواء التجارية منها أو الحكومية، إضافة إلى عدد أكبر من المنصات التجارية الخارجية. منصات المستقلين التجارية داخل المملكة وخارجها هي عبارة عن منصات مفتوحة للجميع، يتم التسجيل فيها بسهولة ويقوم الشخص بإنشاء "بروفايل" خاص به، ويقوم بعرض خدماته. وتأتي طلبات العمل من مختلف الناس، ويتم الدفع للمنصة مباشرة من قبل أصحاب العمل، والتي تقوم بدروها بالتأكد من إنجاز العمل ومن ثم تقوم بتحويل المبلغ إلى الشخص المستقل بعد استقطاع عمولتها.
أما المنصات الحكومية للمستقلين، فهناك منصتان، الأولى منصة بحر، وهي منصة مشابهة للمنصات التجارية عدا أنها مجانية، حيث لا يوجد رسوم للتسجيل ولا تستقطع أي مبالغ من المستقلين ولا من أصحاب الأعمال. هذه المنصة خاصة بالمستقلين السعوديين فقط، يديرها صندوق الموارد البشرية التابع لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ولديها حاليا أكثر من 63 ألف شخص مستقل، وتتميز بوجود عدد كبير من المهارات ومجالات الاختصاص، مثل الترجمة، والتسويق والمبيعات، والتصميم والابتكار، والفيديو والتصوير، والقانون، والكتابة والتحرير، والمحاسبة والاستشارات، والهندسة والبناء، إلى جانب تحليل البيانات، والتسويق الرقمي، وتطوير البرامج، وتقنية المعلومات والشبكات، وخدمة العملاء، وعمليات الدعم الإداري.
أما المنصة السعودية الحكومية الأخرى، واسمها منصة العمل الحر، فهي تعد رسمية أكثر من منصة بحر، وتختص بمجالات معينة تحددها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتشترط حصول الشخص على وثيقة ممارس عمل حر، وهي عبارة عن شهادة تخول الشخص لمزاولة العمل بشكل رسمي، سواء إلكترونيا أو على أرض الواقع، مثل توصيل الطلبات. هذه المنصة تعامل الشخص، سواء أكان طالبا أو موظفا أو عاطلا عن العمل، وكأنه موظف رسمي، حيث يتم تسجيله في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ويمكنه الاشتراك في التأمينات الاجتماعية، ويمكنه كذلك الحصول على تمويل نقدي من بنك التنمية الاجتماعية أو تمويل عيني، مثلا لشراء سيارة أو عربة مشروبات ومأكولات.
بغض النظر عن أي منصة يختار الشخص، سواء تجارية أو حكومية، داخل المملكة أو خارجها، الخطوة الأولى تبدأ بتطوير مهارات الشخص وإتقانه أعمالا معينة والتميز بها قبل البدء بالعمل من خلال أي من هذه المنصات. الأشخاص الذين نجحوا بشكل كبير كمستقلين هم أولئك الذين لديهم مهارات عالية في أي من مجالات الأعمال المطلوبة بكثرة، وخصوصا تلك التي يمكن عملها بشكل كامل إلكترونيا. على سبيل المثال، بإمكان الشخص أن يتقن أحد برامج التصاميم المستخدمة في الدعاية والإعلان، أو أن يطور من قدراته في الترجمة من إحدى اللغات المهمة، أو أن يقوم بأعمال مراجعة لغوية للوثائق والكتب، بل إن هناك مرونة لدى الوزارة لقبول أنواع أخرى من الأعمال، فقط يحتاج الشخص إلى أن يذكرها ويطلب الموافقة عليها. ومن ثم يحتاج الشخص إلى العمل على بناء السمعة وكسب العملاء مبكرا والتسويق لنفسه بشكل جيد.
للمهتمين بالاستثمار في هذا المجال، هناك عدة شركات مدرجة في الأسواق الأمريكية، تعمل كمنصات للأعمال الحرة ودعم المستقلين، منها شركة Fiverr التي لديها نحو 500 مجال في ثمانية قطاعات رئيسة. أسست هذه الشركة عام 2010، وتبلغ قيمتها السوقية نحو ثمانية مليارات دولار، ومبيعاتها السنوية تتصاعد بشكل سريع من 52 مليون دولار عام 2017، إلى 75 مليون دولار 2018، إلى 107 ملايين دولار 2019، ثم 190 مليون دولار 2020. وفي بداية أزمة كورونا كان سعر سهمها 30 دولارا ثم ارتفع إلى 300 دولار خلال أقل من عام، وحاليا سعر السهم 229 دولارا.
الشركة المنافسة الأخرى هي شركة Upwork التي أسست عام 2013، وتنامت مبيعاتها من 200 مليون دولار عام 2017 إلى 374 مليون دولار في 2020، وتبلغ قيمتها السوقية سبعة مليارات دولار، وهي كذلك شهدت ارتفاع سعر سهمها بنحو عشرة أضعاف خلال عام واحد، من حدود خمسة دولارات إلى 58 دولارا، وهي حاليا تتداول عند نحو 55 دولارا.
ختاما، توجد فرصة كبيرة للجميع، رجالا ونساء، عاطلين عن العمل أو لديهم وظائف، وذلك في مزاولة أعمال إضافية، ممكن أن تكون إلكترونية بشكل كامل، أو أعمالا أخرى جديدة أو تقليدية، حيث أصبحت العملية الآن نظامية بالنسبة إلى السعوديين ممن يرغبون في زيادة الدخل من خلال الاستفادة من المنصتين الحكوميتين المجانيتين، اللتان تقدمان من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
نقلا عن الاقتصادية
مقال جميل ، وموضوع أجمل…