شكل عدد السيارات الكهربائية المستعملة للبطارية الكهربائية نحو ربع عدد السيارات في الولايات المتحدة عند بداية القرن العشرين... لكن تغير الوضع بعد عقدين من الزمن، أي مع بداية عقد العشرينات للقرن الماضي، حيث اختفت السيارة الكهربائية من الطرقات وحل محلها سيارة محرك الاحتراق الداخلي (التي تحرق البنزين أو الديزل). ويعود السبب في هذا التغيير المهم للسيارات إلى عدم توفر الإمكانية للسيارة الكهربائية في قطع المسافات الطويلة دون شحن البطارية أثناء قطع المسافات الطويلة، والسعة التخزينية البطيئة نسبيا لبطارية السيارة الكهربائية مقارنة ببطارية سيارة المحرك الداخلي. كما أن سعر السيارة الكهربائية كان ضعف ثمن سيارة المحرك الداخلي بسبب التكلفة العالية للبطارية الكهربائية.
زودت البطاريات المصدر الأساسي للكهرباء قبل بروز المولدات الكهربائية ومن ثم الشبكات الكهربائية في أواخر القرن التاسع عشر. وبالفعل، فقد زخر القرن التاسع عشر بالتجارب العلمية لاختراع أنواع مختلفة من البطاريات. وقد استعمل بنجامين فرنكلين في القرن الثامن عشر (عام 1749) ما سماه في حينه البطارية على ماكينة كهربائية كان في طور إعدادها. وتنافس بعده في القرن التاسع عشر العلماء في الولايات المتحدة وأوروبا لاختراع بطارية مناسبة.
وعند اختراع السيارة في أوائل القرن العشرين، انفتح مجال واسع لاستخدام البطاريات تجاريا. تمكنت السيارة الكهربائية ببطاريتها من الهيمنة على سوق السيارات خلال العقدين الأولين من القرن العشرين، بالذات حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. لكن استطاعت سيارة المحرك الداخلي التفوق على السيارة الكهربائية، نظرا إلى فرق السعر بين السيارتين، وبالذات التكلفة العالية للبطارية الكهربائية وإمكانية قيادة سيارة المحرك الداخلي مسافات طويلة دون الحاجة إلى شحن البطارية والتزود بالوقود، على عكس السيارة الكهربائية. من ثم، اكتسحت سيارة المحرك الداخلي الأسواق واختفت تقريبا السيارة الكهربائية ومعها البطارية الكهربائية طوال القرن العشرين.
لكن بدأت الأوضاع تتغير مؤخرا، مع الاهتمام العالمي بتغيير المناخ وتقليص الانحباس الحراري. فنشطت على أثر ذلك حركة البحث والتطوير لتحسين تقنية البطاريات، الأمر الذي بقي مهملا طوال القرن العشرين. فتم تدريجيا تحسين أداء البطارية الكهربائية من طاقة وتخزين وتخفيف وزنها وتصغير حجمها وتقليص ثمنها.
أدت هذه التحسينات على البطارية الكهربائية خلال الأعوام الأخيرة إلى تزويد السيارة الكهربائية بما تحتاجه من قدرة تنافسية على سيارة المحرك الداخلي، وبالذات لانعدام الانبعاثات من السيارة الكهربائية، على عكس سيارة المحرك الداخلي التي اعتبرت مصدرا مهما لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. الأمر الذي أدى تدريجيا إلى الدفع قدما بالسيارة الكهربائية.
وتكاد تنتج معظم كبرى شركات السيارات العالمية اليوم نوعا من أنواع السيارة الكهربائية. وهي جميعها بانتظار تغيير القوانين والأنظمة التي بدأت تتبناها الدول الصناعية على ضوء اتفاقية باريس للمناخ، حيث البدء ببيع السيارة الكهربائية فقط ابتداء من عام 2025 كما هو الأمر في بريطانيا، أو الابتداء ببيع السيارة الكهربائية فقط ابتداء منذ منتصف عقد الثلاثينات حتى 2050 كما هو الأمر في دول الاتحاد الأوروبي. ويتوقع أن تتبنى الولايات المتحدة في عهد الرئيس جو بايدن قرارا مماثلا لمنع بيع سيارة المحرك الداخلي وبيع السيارة الكهربائية فقط بحلول عام 2050. هذا مع العلم، أن المركبات الكهربائية منتشرة في الولايات المتحدة حاليا، كما أن عددا من مؤسسات النقل الأميركية الكبرى قد تبنت الحافلات الكهربائية في مواصلاتها منذ الآن، كما هو الأمر مع هيئة النقل العام في مدينة نيويورك (أكبر هيئة نقل عامة لمدينة أميركية) وهيئة نقل الطلاب في ولاية فرجينيا، هذا بالإضافة إلى قوانين ولاية كاليفورنيا بمنع بيع سيارة المحرك الداخلي.
وبحسب دراسة لمؤسسة التمويل الدولية المتفرعة عن البنك الدولي، هناك في الوقت الحاضر خمسة أنواع من البطاريات الكهربائية التي يجري تطويرها، أهمها: بطارية «الليثيوم - أيون»؛ وهذه البطارية هي الأكثر شيوعا واستعمالا حتى الآن، حيث تشكل نحو 95 في المائة من البطاريات الكهربائية المستعملة. وتستعمل هذه البطاريات «أيونات الليثيوم». تحوز هذه البطارية على موافقة وإعجاب أغلبية المستهلكين. ولكن لا تزال تكتنفها بعض المشاكل: محدودية ساعات عملها، وثمنها العالي، والأهم موضوع السلامة، حيث تحترق عند ارتفاع حرارتها.
هناك الكثير من الأبحاث والتطوير لتحسين البطارية الكهربائية. فهناك العمل على تطوير قدرتها التخزينية وسلامتها وإمكانية استعمالها في مجالات مختلفة (المجال الأكثر استعمالا لها حاليا هو السيارة الكهربائية). وهناك دراسات لاستعمالها في تجمعات الطاقة الشمسية الصغيرة الحجم، حيث بدأ استعمالها فعلا، لكن ثمنها لا يزال عاليا.
يكمن الهدف المنشود للأبحاث الجارية في تطوير طرق المواصلات وتوليد الكهرباء بشكل يختلف كليا عما هما الآن، وذلك بالاستثمار في طاقات حديثة دون أي انبعاثات منها، أو بأقل الانبعاثات الممكنة. وتدل التوقعات أن سوق الطاقة العالمية المعتمدة على البطاريات الكهربائية ستولد نحو 2.850 غيغاواط في الساعة، أي نحو 100 مرة أكثر مما هو عليه الآن، وأن تستقطب استثمارات قيمتها 662 مليار دولار.
تواجه هذه الصناعة الحديثة تحديات عدة، أهمها: إعطاء الأولوية لتشييد البنى التحتية والمرافق العامة التي ستستعمل البطاريات الكهربائية، وإفساح المجال لكي يلعب القطاع الخاص دورًا كبيرًا في مجالي الابتكارات والاستثمارات. وضرورة تشكيل الهيئات الناظمة لتجميع وتخزين الطاقة في أسواق الدول النامية. وضرورة تبني الأساليب الشفافة في تثمين اقتصادات الطاقات الحديثة. والتمويل وتقدير قيمة الأرباح والخسائر، بالذات في الفترات الانتقالية من نظام طاقة يعتمد على الوقود البترولي.
نقلا عن الشرق الاوسط