صندوق «لمن يخشى فوات الفرص»

20/06/2021 0
د. فهد الحويماني

نعم هذا هو اسم الصندوق المتداول في بورصة نيويورك، وتم إطلاقه قبل ثلاثة أسابيع، واسمه بالإنجليزية Fear of Missing Out ورمزه FOMO، ويقصد بالاسم أنه موجه لأولئك الذين دوما يتخوفون من فوات الفرص الاستثمارية ويتحسرون على فواتها، فيكون الاستثمار في الصندوق هو الحل المناسب لهم.

كيف يعمل هذا الصندوق؟ وبماذا يستثمر؟ وهل هو مجدي؟ وكم هي تكلفته؟

صندوق “فومو” عبارة عن صندوق متداول، يشترى ويباع كأي سهم آخر، حاليا صافي أصوله نحو ستة ملايين دولار فقط، بسبب أنه صندوق جديد لم يكمل ثلاثة أسابيع منذ إدراجه في السوق. تكلفته الإدارية تبلغ 0.90 في المائة، أي من استثمار عشرة آلاف دولار يستقطع الصندوق 90 دولارا سنويا لتغطية مصروفاته الإدارية بشكل كامل، وهذا يعد عاليا قليلا مقارنة بالصناديق المتداولة على وجه العموم، وأقل بقليل عن الصناديق المتداولة في السوق السعودية.

المؤسسة المالية القائمة على الصندوق تعتقد بأن هناك شريحة من المستثمرين ممن يهتمون بالصرعات الجديدة في مجالات عديدة مثل تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا الجيل الصناعي الرابع وغيرها، إلى جانب العملات الرقمية وأساليب استثمارية حديثة ووسائل مالية متنوعة. وهؤلاء المستثمرون ليس لديهم الوقت ولا الخبرات الكافية للتعامل بأساليب المضاربة السريعة في الأسواق الأمريكية على وجه الخصوص، واكتشاف الفرص الجديدة واقتناصها في وقتها، ولذلك فهم لا يستطيعون التعامل بالصناديق المتداولة العكسية ولا تلك المبنية على الرافعات المالية، ولا بأدوات الدين كسندات الشركات والسندات عالية المخاطرة، ولا بعقود الخيارات أو العقود المستقبلية. فما الحل لهذه الشريحة من المستثمرين؟

صندوق “فومو” يرصد تلك الأوقات التي تتميز بوجود أسهم ساخنة، تكون عادة محط الأنظار ومجالا خصبا للنقاشات في وسائل الإعلام، خصوصا في وسائل الاتصال الاجتماعي، التي ينتج عنها تأثيرات كبيرة في أسعار تلك الأسهم المعنية بالنقاشات. كذلك الصندوق يركز على الأسهم القوية التي تتلقى بين الحين والآخر حالات جني أرباح أو إفراط في البيع، فتنخفض أسعارها بشكل قوي على الرغم من عدم وجود أي أخبار سلبية متعلقة بعملها ومستقبلها، وبالتالي ينظر صندوق “فومو” إلى هذه الأسهم على أنها من الفرص الجيدة للاستثمار على المدى القصير.

بسبب طبيعة الصندوق النشطة، نتيجة سياسة عدم تفويت الفرص كما يدل عليه اسم الصندوق، فإن الصندوق يقوم بتعديل محتوياته - أو إعادة توازنه - بشكل أسبوعي، وليس بشكل شهري كما في بعض الصناديق النشطة التي ظهرت أخيرا، مثل صندوق BUZZ، الذي تكلمنا عنه في تقرير سابق، والذي يقوم بإعادة توازنه مرة واحدة في الشهر. ولا هو مثل صناديق المؤشرات المتداولة الخاملة التي تقوم بإعادة التوازن مرة واحدة كل ثلاثة أشهر. إعادة التوازن هذه تعني بيع وشراء أسهم بشكل سريع لتحقيق الربح المستهدف من قبل إدارة الصندوق، وكما سنرى أدناه أن سرعة إعادة التوازن تأتي بتكلفة على المستثمر.

هذا الصندوق لا يقوم بتتبع أي من المؤشرات، لأنه صندوق نشط، ولذلك لا يتم تقييم أدائه مقارنة بمؤشرات أخرى، بل بالنظر إلى أدائه بشكل مطلق، حيث من المتوقع له أن يحقق أرباحا عالية بغض النظر عن توجه قطاعات معينة ولا أسواق ولا وسائل مالية محددة. وهذا بالطبع ليس بالأمر اليسير، ومع ذلك فإدارة الصندوق ترى أن لديها من الوسائل المالية والاستراتيجيات ما يسمح لها بأن تتعامل مع جميع الظروف.

من الطرق التي وضعتها إدارة الصندوق من ضمن استراتيجيتها هناك، التعامل بالصناديق المتداولة، أي على الرغم من أن الصندوق نفسه متداول، إلا أنه كذلك يقتنص الأوقات المناسبة للدخول في بعض الصناديق حسب ما يستجد من تطورات وأحداث على المديين القصير والمتوسط، وبالذات تلك الصناديق التي تقوم بتوظيف الرافعات المالية العالية لتعظيم الأرباح في حال نجاح استراتيجيتها، مع القبول بخسائر عالية في حال فشل تلك الخطط. هذه الصناديق عالية المخاطرة تتعامل بالاقتراض على المدى القصير، وبذلك فهي شبيهة بأسلوب التداول اليومي الذي يقوم به بعض المضاربين، من خلال مضاعفة رأس المال بالاقتراض اليومي.

كذلك يقوم الصندوق بالتعامل بالبيع على المكشوف للأسهم مباشرة أو للصناديق المتداولة، وكذلك يقوم بالتعامل بالصناديق المتداولة العكسية، وهي صناديق لديها استراتيجيات متنوعة لتحقيق الأرباح، من خلال نزول أسعار الأصول المستهدفة. بل إن هناك صناديق عكسية ولديها كذلك رافعات مالية عالية، بمعنى أنها تراهن على اتجاه عكسي للأصول المستهدفة مع تضخيم الربح والخسارة من خلال الرافعات المالية.

إذن صندوق “فومو” يختلف عن غيره من الصناديق المتداولة في أنه صندوق نشط بشكل كامل، لا يتتبع أداء أي مؤشر، بل يتتبع الصرعات والموضات والفرص السريعة، وهي التي غالبا لا تستطيع الصناديق الأخرى التعامل بها بهذا الشكل بسبب سياساتها الاستثمارية وما ينتج عنها من قيود. وبالطبع، فإن سرعة تعديل مكونات الصندوق تأتي بتكلفة يدفعها المستثمرون في الصندوق. فعلى الرغم من أن الرسوم الإدارية فقط 0.90 في المائة، إلا أن كثرة عمليات البيع والشراء ينتج عنها عمولات مالية تدفع للوسطاء، إلى جانب تكلفة فروقات أسعار العرض والطلب.

في الصناديق الاستثمارية هناك مفهوم دوران المحفظة، ويقصد به عدد المرات التي يتم فيها بيع وشراء مكونات المحفظة. فإذا كان مدير الصندوق يقوم بعمليات كثيرة فسيكون معدل دوران المحفظة عاليا، وبالتالي ستكون هناك تكاليف إضافية تستقطع من أموال المستثمرين. وعلى الرغم من ذلك، هناك مستثمرون يرون أن عمليات التداول الكثيرة مقبولة ومبررة كون هذا هو هدف الصندوق، أي اقتناص الفرص والتصرف بسرعة، بيعا وشراء.

ختاما، صندوق “لمن يخشى فوات الفرص”، على اسمه، هو صندوق متداول مخصص لمن لديه القدرة على تحمل المخاطرة العالية، وربما كذلك التكاليف الإدارية العالية، في سبيل الاستثمار مع خبراء يعتقدون بأنهم قادرون على العوم تارة مع التيار وتارة عكس التيار، وأحيانا مع التيار أو عكسه، لكن بسرعة أعلى. وبحكم أن الصندوق جديد فلا أنصح بالدخول فيه بأكثر من 10 في المائة من رأس المال المعد للاستثمار، وحاليا الصندوق يتداول عند 26 دولارا، قريب من سعر طرحه عند 25 دولارا.

 

نقلا عن الاقتصادية