ضغوط نشطاء البيئة على الشركات وارتفاع الأسعار

10/06/2021 0
د. نعمت أبو الصوف

الضغوط المتزايدة التي تطالب شركات النفط الكبرى بخفض الانبعاثات بشكل كبير جدا وتحويل استراتيجياتها إلى الاستثمار في طاقة منخفضة الكربون بدلا من النفط والغاز قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط في المستقبل غير البعيد. رغم الضغوط المتزايدة من قبل نشطاء البيئة والمساهمين النشطاء على شركات النفط الكبرى كي تخفض استثماراتها النفطية والغازية بصورة كبيرة، إلا أن نظام الطاقة العالمي ليس جاهزا بعد للاستغناء عن هذه الموارد التي تستكشفها وتطورها هذه الشركات. في واقع الحال، لا يزال الوقود الأحفوري يلبي 80 في المائة من الطاقة العالمية، مع أهداف الانبعاثات الصافية الصفرية أو دونها، فإن الانتقال العالمي إلى مصادر الطاقة منخفضة الكربون سيستغرق عقودا، وليس أعواما فقط، واجتماعا أو اثنين للمساهمين.

إن الانتقاد وعدم الرضا الأخير للاتجاه الاستراتيجي الحالي لشركات النفط الكبرى يمهد الطريق لبعض العواقب التي ربما أغفلها نشطاء البيئة وبعض المساهمين. ومن بين هذه العواقب، منح "أوبك" روسيا ومنتجين آخرين مزيدا من السيطرة على سوق النفط العالمية. ستكون شركات النفط الوطنية في الدول التي تكون فيها السياسات البيئية أخف وطأة مما هي عليه في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث توجد شركات النفط الكبرى حريصة جدا على الاستثمار وسد أي فجوة في إمدادات النفط العالمية، على المديين القصير والبعيد. بعد كل ذلك، قد يؤدي انخفاض الاستثمارات بشكل كبير في تطوير موارد جديدة - كانت منخفضة بالفعل بعد انهيار أسعار النفط عام 2020 - إلى أزمة في الإمدادات في المستقبل. سيؤدي هذا بدوره إلى ارتفاع أسعار النفط عندما يكافح المعروض من النفط لمواكبة الطلب. في الواقع، يؤدي خفض إنتاج النفط إلى مخاطر جديدة دون ضمان تسريع التقدم نحو حياد كربوني.

ومع ذلك، قد يجادل البعض بأن الطلب على النفط سينخفض على أي حال، وأن العالم لن يحتاج إلى القدر نفسه من العرض كما كان عليه خلال العقد الماضي. لكن لا توجد حاليا دلائل على أن الطلب على النفط يستعد لانخفاض حاد رغم التفكير الرجبوي Wishful Thinking وسيناريوهات صافي الانبعاثات الصفرية، بما في ذلك سيناريو تقرير وكالة الطاقة الدولية IEA الذي أشار إلى الوقف الفوري لجميع مشاريع الوقود الأحفوري المستقبلية إذا كان العالم سيصل إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بحلول عام 2050.

سيظل الاستثمار في موارد نفط جديدة مهما، حتى لو سار العالم على مسار درجتين مئويتين. لكن من الضروري أن تكون الإمدادات الجديدة منخفضة التكلفة والكربون لاستبدال الإنتاج المتضائل من الحقول الناضجة. إذا كانت هذه الاستثمارات من شركات النفط الدولية غير كافية، فإن شركات النفط الوطنية ستتقدم لتطوير وتسويق موارد جديدة لتأمين حاجة العالم من هذه السلعة.

إذا استجابت شركات النفط الكبرى لجميع الدعوات الصادرة عن دعاة حماية البيئة واقتراح وكالة الطاقة الدولية "لا يوجد استثمار جديد للنفط والغاز مرة أخرى على الإطلاق"، فسيتم تقييد إمدادات النفط بشدة في عالم لا يزال في بداية تحول نظام الطاقة ولا يزال بحاجة إلى النفط والغاز لتعمل وتدعم الاقتصادات.

في هذا الجانب، قالت جمعية النفط والغاز النرويجية: "إذا لم ينخفض الطلب بالسرعة التي تفترضها وكالة الطاقة الدولية في سيناريوهات، وتوقف جانب العرض في الوقت نفسه، فقد يتعرض أمن إمدادات الطاقة العالمي للتهديد ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الطاقة للغاية". مع العلم أن النرويج أكبر منتج للنفط في أوروبا الغربية، لديها معايير بيئية أكثر صرامة من الدول المنتجة في بقاع أخرى من العالم، وتضخ النفط عند أدنى مستويات الانبعاثات في العالم. من جهة أخرى قال الرئيس التنفيذي لشركة TotalEnergies، توتال سابقا، "من الجيد أن نقول إننا بحاجة إلى التوقف عن إنتاج النفط، لكن إذا لم يعد هناك ما يكفي من المشاريع أو الإنتاج، فماذا سيحدث؟ وأضاف، حتما سترتفع الأسعار".

في أوروبا، تستعد شركات النفط الكبرى لخفض الانبعاثات وإبطاء إنتاج النفط تدريجيا على مدى العقود المقبلة وفقا لتعهداتها لصافي انبعاثات كربون صفرية بحلول عام 2050. ومع ذلك، فإن هذه الشركات تدرك أيضا حقيقة أن أرباح النفط والغاز ستمكنها من تمويل مشاريع تحول الطاقة الخاصة بها.

على مدار العقد الماضي، انخفضت احتياطيات شركات النفط الكبرى، لكن حتى الشركات الكبرى في أوروبا التي تعهدت جميعها بأن تصبح شركات طاقة خالية من الانبعاثات، تواصل الاعتماد على الأعمال التي تهيمن عليها مبيعات النفط والغاز. وفي هذا الصدد، قالت RystadEnergy "إذا لم تكن الاحتياطيات عالية بما يكفي للحفاظ على مستويات الإنتاج، فستجد الشركات صعوبة في تمويل مشاريع تحول الطاقة باهظة الثمن، ما يؤدي إلى تباطؤ خطط الطاقة النظيفة الخاصة بها".

لقد أدركت شركات النفط الكبرى بالفعل الحاجة إلى الاستثمار في مصادر الطاقة منخفضة الكربون حتى قبل أن يبدأ المساهمون ونشطاء المناخ الدفع القوي بهذا الاتجاه. لكن التخفيضات الكبيرة - أو "إبقاؤها في الأرض" كما يطلب دعاة حماية البيئة - في إمدادات النفط المستقبلية بما يتجاوز الخطط الحالية لشركات النفط الكبرى من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط. وسيترك هذا معظم إمدادات العالم في أيدي الشركات الوطنية في "أوبك"، روسيا وغيرها، حيث سترغب الحكومات المالكة للموارد في تعظيم قيمة عائدات النفط والغاز من خلال تحول نظام الطاقة. إذا قامت شركات النفط العالمية بتضييق نطاق تركيزها الجغرافي بشكل تدريجي وخفضت استثماراتها في النفط والغاز، فستأخذ شركات النفط الوطنية دورا أكبر في توفير هذه الموارد وتسويقها.

وفي هذا الصدد، قال مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، "إن إجبار شركات النفط الكبرى على كبح الاستثمار فقط سيؤدي إلى خفض الانبعاثات إذا انخفض الطلب العالمي على النفط أيضا. وبخلاف ذلك، نقص الاستثمار سيؤدي إلى مخاطر اقتصادية وسياسية وجيوسياسية يمكن أن تقوض في الواقع خطط إزالة الكربون السريعة اللازمة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050". في الواقع، في سوق النفط العالمية، حيث يتم تداول الإمدادات بحرية، وشركات النفط الغربية الكبيرة تتحكم فقط في حصة صغيرة من الإنتاج، لن تكون الضغوط البيئية على هذه الشركات وحدها كافية لكبح الإمدادات العالمية، ما لم يكن هناك انخفاض في الطلب أيضا.

 

نقلا عن الاقتصادية