في نبض منصات التواصل الاجتماعي معلومات ثمينة للمستثمرين

30/05/2021 0
د. فهد الحويماني

هناك أسلوب قديم في انتقاء الأسهم يعتمد على توجهات المتداولين ومشاعرهم تجاه الأسهم عموما، وتجاه أسهم فردية محددة، وهو الأسلوب الذي يندرج تحت مفاهيم التحليل الفني للأسهم. فمنذ القدم هناك استراتيجيات لتداول الأسهم تعتمد على حركة الأسعار والاندفاع الذي يصاحب صعود الأسهم وانخفاضها، ما يسمى بالزخم، وهو أسلوب له أدواته الفنية التي تعطي دلالات معينة عن توجه السهم، مثل مؤشرات السيولة والحركة السعرية.

الجديد في الموضوع أنه بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتكاثر منصات الإنترنت وتنوعها، بدأ بعض الباحثين ملاحظة أهمية ما يطرح من أفكار وآراء حول الأسهم في المنصات الرئيسة مثل فيسبوك وتويتر وإنستجرام وغيرها، وبدأوا يفكرون في كيفية الاستفادة منها كمقاييس لمشاعر المتداولين وتوجهاتهم. الفرضية التي تقوم عليها أبحاث هؤلاء المختصين هي أن هناك ثروة معلوماتية كبيرة تأتي من زيادة عدد المتابعين والمهتمين بالأسهم، وأن نتيجة اختياراتهم للأسهم ستظهر لا محالة في تغريداتهم ورسائلهم ونقاشاتهم المختلفة.

وبحكم الاعتماد الكبير على الإنترنت في الأعوام الأخيرة ليس فقط للقيام بالتداول، بل كذلك في البحث عن المعلومات المتعلقة بالأسهم وتبادل الآراء وطرح وجهات النظر، فمن الممكن استخدام التقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات الضخمة للقيام بمعالجة هذه البيانات المتنوعة والمتفرقة للخروج بمؤشرات مهمة يستفاد منها في انتقاء الأسهم.

كيف يمكن تفسير محتويات تلك البيانات للوصول إلى توصية معينة لشراء أحد الأسهم أو بيعها؟

العملية معقدة إلى حد كبير رغم أنها بدأت قبل مجال الأسهم في أروقة شركات التسويق الإلكتروني، التي كانت لديها اهتمامات في معرفة رغبات المستهلكين ومشاعرهم بخصوص المنتجات والخدمات التجارية، فكانت تركز على الكلمات المفتاحية الرئيسة، مثل اسم المنتج والشركة المصنعة، ومنها يستطيعون معرفة شعبية المنتجات والخدمات التي يتابعونها في عملياتهم التسويقية. لكن في مجال الأسهم تطورت تلك العملية لتشمل أساليب متعلقة بالذكاء الاصطناعي وبرامج اتخاذ القرار وطرق معالجة اللغات الطبيعية.

الإضافة الكبيرة لطرق معالجة بيانات التواصل الاجتماعي أتت في الواقع من علم معالجة اللغات الطبيعية الذي من خلاله تأخذ المفردات معاني مرتبطة بسياق الكلام وليس فقط من خلال الكلمة ذاتها. فمثلا، قد يكون النقاش يتحدث عن شركة مايكروسوفت، لكن هل هو بشكل إيجابي أم سلبي؟ هنا بدأ بعض الجهات المختصة إعداد خوارزميات خاصة بها تستطيع تحديد المشاعر العامة للمستخدمين ومعرفة الأسهم المعنية بالنقاش، رغم تشابه الأسماء، وتستطيع مقارنة حدة المشاعر من سهم لآخر، وتقوم بذلك بشكل فوري وسريع.

في بداية آذار (مارس) الماضي تم طرح صندوق متداول ETF في بورصة نيويورك بالرمز BUZZ، فكرته تقوم على هذا الأسلوب، أي: استخدام برامج خاصة وخوارزميات متقدمة تعمل على أسس الذكاء الاصطناعي واستخدام أجهزة حاسوبية فائقة السرعة للاستثمار في الأسهم ذات الشعبية العالية على مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت. هذا الصندوق المتداول - أي: إنه يباع ويشترى مثل الأسهم تماما - يدار من قبل مؤسسة مالية لديها خبرات سابقة في هذا المجال، ولديها مؤشر خاص بها يقوم هذا الصندوق بتتبعه من خلال شراء وبيع الأسهم المكونة للمؤشر.

صندوق BUZZ يعد وسيلة مناسبة لمن يؤمن بأهمية معرفة مشاعر المتداولين وتأثيرها في حركة الأسهم، لكنه لا يملك القدرة ولا الإمكانات اللازمة للقيام بذلك. فهذا الصندوق رسومه السنوية 0.75 في المائة، أي: من كل عشرة آلاف دولار يستقطع الصندوق 75 دولارا سنويا مقابل الأتعاب الإدارية. يتم تحديد مكونات المؤشر الذي يتبعه الصندوق من خلال قائمة رئيسة يتم إعدادها كل ثلاثة أشهر، وهي قائمة تشمل جميع الأسهم التي تم اكتشافها من خلال منصات التواصل الاجتماعي، والمطابقة لشروط الصندوق، ومن ثم في نهاية كل شهر يتم اختيار الـ75 شركة المكونة للمؤشر. أي: إن مكونات المؤشر تتغير كل شهر حسب ما يستجد من تطورات وما يتم اكتشافه من تغير في مشاعر المتداولين واهتماماتهم.

هناك آلية معينة لاختيار الأسهم المناسبة للمؤشر، وذلك لتجنب اختيار أسهم شركات هشة، ولتجنب إمكانية التلاعب بمكونات المؤشر، حيث تشترط الشركة القائمة على المؤشر في الشركة التي يتم انتقاؤها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ألا تقل قيمتها السوقية عن خمسة مليارات دولار، وألا يقل متوسط قيمة التداول اليومي لأسهمها عن مليون دولار، لفترة ثلاثة أشهر، وأن يتكرر ذكر اسم الشركة في عدد معين من المنصات وبحد أدنى من التكرار.

كيف هو أداء هذا الصندوق خلال الشهرين الماضيين منذ إطلاقه؟

مدة شهرين - بالطبع - لا تكفي للحكم على أداء الصندوق، وهو حاليا عند السعر نفسه الذي طرح به، نحو 25 دولارا، ومتوسط التداول اليومي له يصل إلى نحو 850 ألف سهم، ويبلغ حجم الأصول المدارة نحو 300 مليون دولار. ومرة أخرى، هذا الصندوق رسومه معقولة، وهو يناسب من يعتقد أن توجهات المتعاملين بالأسهم التي يتم رصدها من خلال النقاشات والرسائل من على الإنترنت مفيدة في معرفة حركة الأسهم.

 

نقلا عن الاقتصادية