ماذا خلف هبوط أسهم شركة تسلا؟

23/05/2021 0
د. فهد الحويماني

ما الذي يدور في أسهم شركة تسلا للسيارات الكهربائية بعد انتشار خبر عن أحد أكبر مديري صناديق التحوط وهو يراهن على هبوط أسعار أسهم الشركة؟ وهل لمراهنته هذه أي قيمة حقيقية؟ وما طبيعة العمليات التي قام بها؟ وهل هي مجرد حركات استفزازية لمؤسس شركة تسلا المثير للجدل إيلون ماسك؟ وما الأسباب الحقيقية لهبوط هذه الأسهم؟

مايكل بيري، معروف منذ 20 عاما على الأقل في قدرته على انتقاء الأسهم من خلال أساليب دراسة القيمة الحقيقية للشركات، وهو الأسلوب التقليدي المشهور الذي يعمل به كبار المستثمرين، مثل ورين بافيت، وهو الأسلوب الذي وضع قواعده بنجامين جراهام وديفيد دود قبل نحو 90 عاما. إلا أن مايكل بيري اشتهر بقدرته على القيام بعمليات بيع على المكشوف وجرأته العالية في ممارسة هذا النوع المخالف للتوجه العام لمعظم المستثمرين. وازدادت شهرته حين راهن بشكل كبير على انفجار فقاعة القطاع العقاري عام 2007، حيث حقق مئات الملايين من الدولارات له شخصيا ولمستثمريه.

بعد التعافي من الأزمة المالية، تم تسليط الأضواء مرة أخرى على مايكل بيري، من خلال كتاب يتحدث عن مهارته في البيع على المكشوف وقدرته على التنبؤ بالأزمة المالية، ومن ثم تم إنتاج فيلم سينمائي مشهور تدور أحداثه عن مايكل بيري نفسه وعن قدرته على التعامل بنجاح بأساليب الهندسة المالية المتبعة في وول ستريت وتحقيق أرباح كبيرة جراء ذلك.

برز اسم مايكل بيري مرة أخرى هذا الأسبوع، حين تبين من خلال بيانات الإفصاح التي رفعها إلى هيئة الأوراق والأسواق الأمريكية أن لديه عقود خيارات بيع على أسهم “تسلا” بما يعادل 800 ألف سهم، أي بقيمة نحو 450 مليون دولار فيما لو تم تنفيذها بحسب سعر هذا الأسبوع. ورغم أن الأخبار تتناقل أنه قام ببيع أسهم “تسلا” على المكشوف، إلا أنه حقيقة لم يقم بذلك، بل قام فقط بشراء عقود خيارات البيع، من نوع put، ولا أحد يعلم بكم اشتراها ولأي شهر وبأي سعر تنفيذ، وما إلى ذلك، فمن الممكن أن تكون عقودا بعيدة التنفيذ، وبالتالي سعرها رخيص جدا. لذا، فإن أهمية الخبر ليست بسبب ضخامة العملية التي قام بها، بل لأن من قام بها هو مايكل بيري، ولذا فقد يكون لديه رأي مهم حول مستقبل الشركة.

للإيضاح، عقد خيارات البيع يعني أن من يشتري هذه العقود لديه الحق ببيع أسهم الشركة بالسعر المحدد في العقد في أي وقت طيلة فترة سريان العقود. فمثلا، قد يشتري أحد عقود بيع لكانون الأول (ديسمبر) المقبل، حيث يستطيع بيع أسهم الشركة بسعر 500 دولار، أو أي سعر آخر له عقود مطروحة، وبذلك لو انخفض سعر السهم مثلا إلى 400 دولار، فإن الشخص يملك الحق ببيع الأسهم بسعر 500 دولار لمن قام بإصدار العقود. وهذه المراهنة تتم بدفع مبلغ قليل نسبيا مقارنة بسعر السهم.

عدد عقود الخيارات التي اشتراها مايكل بيري، ثمانية آلاف عقد فقط، فهي ليست كبيرة مقارنة بحركة عقود الشركة عموما، فمثلا عدد عقود البيع المفتوحة لكانون الثاني (يناير) 2022 تبلغ أكثر من 700 ألف عقد. أي إن المراهنات على الهبوط قائمة من قبل أطراف أخرى غير مايكل بيري، وبالمقارنة نجد أن عدد عقود الشراء، التي تشير عموما إلى إيجابية المتعاملين تجاه السهم، تبلغ نحو 530 ألف عقد. لذا، فالسهم قد هبط بشكل كبير منذ أعلى سعر وصله مطلع هذا العام عند 900 دولار إلى نحو 560 دولارا حاليا، أي انخفاض بنسبة نحو 38 في المائة. طبعا هذا الهبوط ليست له بالضرورة علاقة بمراهنة مايكل بيري ضد أسهم الشركة، لأن خبر عقود الخيارات التي لديه لم تظهر إلا أخيرا، بينما السهم في حالة نزول منذ مطلع العام، فلماذا إذن بدأ يهبط السهم؟

سهم “تسلا” حقق ارتفاعا بنحو سبعة أضعاف عام 2020، ويبلغ عدد الأسهم المصدرة للشركة 963 مليون سهم، منها 775 مليونا أسهم حرة، وعدد الأسهم المبيعة على المكشوف عادي جدا، حيث يبلغ فقط 41 مليون سهم بنهاية نيسان (أبريل)، وقد كان العدد أكثر من ذلك بقليل للشهر الذي قبله، أي إن نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف نحو 5 في المائة من الأسهم الحرة، وهذه ليست نسبة كبيرة.

هناك عدة أسباب مهمة لانخفاض سهم “تسلا”، منها أن بعض المستثمرين ممتعضون من تصريحات إيلون ماسك المثيرة للجدل، والقرارات الارتجالية التي يبدو أنه يتخذها بين الحين والآخر، والأهم من ذلك انشغاله بعدة أمور غير شركة تسلا، وبالتالي فهو فعليا لا يعطي الشركة جل اهتمامه. فهو شخص مولع بالعملات المشفرة، وبدأ يراهن على توجهاتها ومستقبلها، وبدأ يروج لإحدى العملات المشفرة غير المعروفة، ومن ثم قرر أن تقوم “تسلا” بقبول الدفع بعملة بيتكوين، ومن ثم الأسبوع الماضي قرر إيقاف العمل بذلك، بحجة أن عمليات التعدين، الضرورية لسلامة بيتكوين، تستنزف كثيرا من الطاقة.

إلا أن السبب الأهم من كل ذلك ربما يكون تجاريا بحتا، وهو متعلق بإيرادات الشركة طيلة الأعوام الماضية، حيث تشكل مكافآت الالتزام بحماية البيئة، التي تتحصل عليها “تسلا” من قبل عدة حكومات حول العالم، تشكل نسبة كبيرة من إيرادات الشركة. أي إن الشركة تعتمد على إيراداتها من هذه النقاط، وليس من بيع السيارات في حد ذاتها. هذه النقاط ليست جديدة ولا هي أمر طارئ، لكن الإشكالية هي أن بعض المحللين يرى أنها لن تدوم طويلا، وبالتالي ستتغير ربحية الشركات بشكل كبير في المستقبل.

تخوف المستثمرين ليس بسبب أن الحكومات قد تتوقف عن منح نقاط الالتزام لـ “تسلا” وغيرها، بل لأن عددا كبيرا من شركات السيارات لديه منتجات وخطط مستقبلية لمزيد من الالتزام، عن طريق إنتاج سيارات كهربائية أو سيارات مزدوجة أو سيارات تقليدية، لكن بمحافظة أعلى على نظافة البيئة، وبالتالي لن يحتاجوا إلى دفع أموال كبيرة سنويا لشركة تسلا مقابل الحصول على ما لديها من نقاط إضافية. وهذه النقاط الإضافية لدى “تسلا” لأن جميع سياراتها صديقة للبيئة، فلديها رصيد كاف من النقاط. يمكن تشبيه هذه النقاط بنسبة السعودة المطلوبة من الشركات، وكيف لو أن شركة لديها سعودة 100 في المائة وكان النظام يسمح لها بمنح ما لديها من زيادة لشركات أخرى غير ملتزمة.

ختاما، التنظيم في أوروبا، على سبيل المثال، يمنح الشركة المصنعة نقاط التزام إذا كانت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تقل عن 50 جراما لكل كيلومتر، وتعاقب الشركة برسوم إن زادت هذه النسبة على 95 جراما للكيلومتر الواحد.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية