جدل الوقود الحيوي والأمن الغذائي يعود إلى الواجهة

19/05/2021 0
د. نعمت أبو الصوف

يبدو أن وقود الطيران المستدام هو مستقبل السفر الجوي على حد قول بعض المطلعين في صناعة الطيران التي تسعى إلى تقليل انبعاثات الكربون في الصناعة. المصافي جاهزة لذلك، تماما كما هي جاهزة لتلبية متطلبات الخطط الطموحة لزيادة إنتاج الوقود الحيوي التي اقترحتها الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. المزارعون بالتأكيد مؤيدون لهذا التوجه. بالفعل أسعار الزيوت النباتية آخذة في الارتفاع إلى أعلى مستوياتها منذ عدة أعوام، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأخرى إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2014.

في هذا الجانب، قالت "رويترز" في وقت مبكر من هذا العام: إن أسعار الزيوت النباتية ارتفعت إلى ما يقرب من مستويات قياسية منذ أن أوضحت الإدارة الأمريكية أن زيادة كبيرة في إنتاج الوقود الحيوي ستكون جزءا مهما من استراتيجيتها في تحول نظام الطاقة. دفع هذا مؤشر الغذاء للأمم المتحدة إلى أعلى مستوى له في سبعة أعوام. ما يعنيه هذا هو أن الغذاء أصبح أكثر تكلفة بالنسبة للفقراء في الاقتصادات النامية مثل الهند وعديد من الدول الإفريقية. كي نكون منصفين، يشير تحليل "رويترز" أيضا إلى عوامل أخرى منها موسمية أسهمت في ارتفاع أسعار الزيوت النباتية، بما في ذلك نقص العمالة في مزارع زيت النخيل في آسيا والطقس القاسي في مناطق الإنتاج الرئيسة. أسهمت عمليات إعادة تخزين المواد الغذائية بعد الإغلاق أيضا في دفع أسعار الزيت النباتي إلى الارتفاع. ومع ذلك، حتى لو كانت هذه العوامل غائبة، فنحن نتوقع ارتفاع أسعار الزيوت النباتية بسبب سياسات تحول نظام الطاقة.

من جانبها، أفادت شركة استشارية بحثية بريطانية لتقنيات الطاقة أخيرا بأن إنتاج الوقود الحيوي العالمي يمكن أن يرتفع من 3.5 مليون برميل نفط مكافئ يوميا إلى ما يصل إلى 20 مليون برميل في اليوم كجزء من الدفع إلى نظام طاقة أنظف. قد يكون هذا خبرا رائعا للمزارعين، كما أنه أيضا ليس سيئا للغاية بالنسبة لشركات التكرير. على سبيل المثال، تستعد شركة ماراثون بتروليوم لتحويل مصفاة مارتينيز إلى مصنع للوقود الحيوي. لدى شركة توتال الفرنسية أيضا استراتيجية كاملة للوقود الحيوي على جدول أعمالها.

في الآونة الأخيرة، اجتمع عديد من الرؤساء التنفيذيين لشركات الطيران مع مسؤولين أمريكيين لمناقشة الانبعاثات وخيارات الحوافز الحكومية للوقود الحيوي للطيران كوسيلة للحد من هذه الانبعاثات. حيث يمكن أن تقلل هذه الأنواع من الوقود انبعاثات صناعة الطيران بأكثر من الثلث، وفقا لرئيس اتحاد الخطوط الجوية الأوروبية. لكنهم في هذا التوجه سيجعلون زيت الطهي أكثر تكلفة في هذه العملية. ليس هذا فقط، لكنهم - والوقود الحيوي ككل - يمكن أن يؤدي إلى إزالة الغابات deforestation على نطاق واسع. بالفعل، إنتاج الوقود الحيوي خلال الأعوام القليلة الماضية أدى إلى قطع وتدمير مساحات لا بأس بها من الغابات الاستوائية في إندونيسيا، ماليزيا، إفريقيا الوسطى ومنطقة الأمازون في أمريكا الجنوبية.

وتتطلب زيادة إمدادات الوقود الحيوي من 3.5 مليون برميل في اليوم إلى 20 مليون برميل في اليوم إلى 100 مليون فدان أخرى من الأراضي الزراعية لزراعة المحاصيل اللازمة لإنتاج هذه الكمية، وفقا للشركة الاستشارية البريطانية. هذا الرقم يفترض أن الصناعة ستستفاد من جميع نفايات الزيوت وغيرها من المواد الأولية للوقود الحيوي القائم على النفايات التي ينتجها العالم، وهو بالتأكيد افتراض متفائل جدا. لذلك، حتى مع الاستفادة من جميع النفايات التي يمكن تحويلها إلى وقود حيوي، سنحتاج إلى إزالة 100 مليون فدان لزراعة المحاصيل المنتجة للزيت. ووفقا للجهة البحثية، فإن إعادة تشجير 100 مليون فدان من شأنه أن يوازن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار ثمانية أضعاف مقارنة بزراعة هذه الـ 100 مليون فدان بالمحاصيل لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي. زيت الطهي مادة غذائية أساسية في جميع أنحاء العالم. ففي الهند على سبيل المثال، بدأ الناس بالفعل في الحد من استخدامهم له بسبب ارتفاع الأسعار. ونقلت "رويترز" عن أحد تجار الزيت النباتي في الهند قوله: إن توقعات زيادة الطلب على زيت الطهي بعد انتهاء عمليات الإغلاق التي سببها الوباء قد تراجعت بالفعل بصورة كبيرة مع ارتفاع الأسعار التي دمرت الطلب. وتلك المصافي المحولة في الولايات المتحدة لم تبدأ حتى في إنتاج برميل واحد من وقود الديزل الحيوي.

ومن المثير للاهتمام أنه ليس كل دعاة حماية البيئة من مؤيدي الوقود الحيوي. حيث يشير مركز التنوع البيولوجي إلى أن الوقود الحيوي هو حل خاطئ لإزالة الكربون عن قطاع النقل الجوي. في حين أن الإجراءات الحقيقية لتقليل انبعاثات الطائرات وإزالة الكربون تتطلب التخلص التدريجي من الطائرات ذات الانبعاثات العالية والقديمة، وزيادة الكفاءات التشغيلية إلى أقصى حد.

في الواقع، الوقود الحيوي ليس خاليا تماما من الانبعاثات. إنه أنظف من الوقود الأحفوري - نحو 50 في المائة أنظف - لكن ينبعث منه أيضا ثاني أكسيد الكربون، الذي بالكاد يتوافق مع مؤيدي رؤية الصفر المطلق لمستقبل الطاقة في العالم. لكن هناك شيء آخر كذلك. إن إنتاج الوقود الحيوي غالي الثمن. وفقا لبعض المحللين، إن الوقود الحيوي الأرخص له مستوى تعادل أسعارbreakeven price بحدود 70 دولارا للبرميل. في حين أن المنتجات الأكثر تكلفة - مثل وقود الطيران المستدام - لديها مستويات تعادل أعلى بكثير، يصل بعضها إلى 125 دولارا للبرميل. هذا يعني أن النفط الخام يجب أن يصبح أغلى بكثير مما هو عليه الآن لتبرير تحول كبير إلى الوقود الحيوي، خاصة في قطاع النقل الجوي. ومع ذلك، وفقا لبعض دعاة حماية البيئة، فإن التكاليف ليست مشكلة لأن الأولوية القصوى هي خفض الانبعاثات. لكن في ظل التكاليف المرتفعة، ومخاطر إزالة الغابات والتهديد للأمن الغذائي للمجتمعات الضعيفة، لا يبدو الوقود الحيوي حلا بسيطا وجيدا لمشكلة الانبعاثات في قطاع النقل.

هناك هذا الجدل القديم حول الأمن الغذائي مقابل الوقود الحيوي، لكن لا أحد يجرؤ على الحديث عنه لأن الأمر كله يتعلق الآن بالطاقة الخضراء. سيستغرق الأمر وقتا طويلا، ومعاناة في الدول النامية، قبل أن يحاول الناس فعليا إبطاء معدل إنتاج بعض أنواع الطاقة الخضراء، مثل الوقود الحيوي. ربما حان الوقت الآن لبدء نقاش جدي وعلمي عن هذا وعن جميع المشكلات الأخرى المصاحبة بالدفع غير المدروس باتجاه بعض أنواع الطاقة الخضراء. بعد كل شيء، الحديث عن المشكلة هو الخطوة الأولى لحلها.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية