يحل علينا بعد يومين عيد الفطر المبارك؛ تقبل الله منا ومنكم جميعا. والله أكبر ولله الحمد. وبالمناسبة تنتشر عبارة أيام العيد. لكن عيد الفطر يوم واحد. ويحل هذا العيد والعالم يشهد حالة لم يشهد مثلها عبر عشرات الأعوام. يحل العيد ولسان حال كثيرين يقول: “عيد بأي حال عدت يا عيد، عدت ونحن تحت كورونا نعيش”. نشهد كل عام خلال الأيام قبيل العيد قمة أنشطة تجارية؛ على رأسها التسوق لمعظم قطاعات التجزئة. ويشهد قمة الضعف لأنشطة وتداولات؛ على رأسها الصفقات العقارية.
ماذا بشأن اليوم التالي ليوم العيد؟ الأغلب ضعف النشاط التجاري للتجزئة. وقوته للنشاط ذي الطابع السياحي. هذا العيد مختلف. أنشطة السفريات والسياحة والتنزه وما يبنى عليها من أنشطة في ضعف واضح مع كارثة كورونا.
يطل عيد الفطر وسط ظروف اقتصادية وصحية صعبة، ومخاوف من استمرار تداعيات جائحة كورونا التي أرهقت جيوب دول وشعوب. تقف على مستوى العالم ودوله أسر كثيرة مكتوفة الأيدي ليس بيدها تغيير الأوضاع. ملايين الأسر في العالم تعيش في ظروف مالية بالغة الصعوبة. نسأل الله اللطف بأحوالهم. ونحمد الله الذي أنعم على هذه البلاد بما مكنها من مساعدة دول كثيرة. ومن آخرها كما نقل بعض وكالات الأنباء في هذه الأيام المباركة، عروض مساعدة دول بأكسجين طبي للمساعدة على مواجهة أزمة انتشار فيروس كورونا. وضرر انتشار الفيروس يتعدى للدول الأخرى.
ماذا بشأن الإنفاق والأسعار في شهر رمضان، خاصة قرب حلول يوم العيد؟ العادة أنه يزيد. وزيادة الطلب عادة ترفع الأسعار والكلام على بعض السلع.
هنا أشير إلى عمل جهات إحصائية في دول كثيرة لأرقام قياسية ومتابعات لتغير الأسعار والكميات وتكاليفها خلال مناسبات الأعياد. مثلا في الولايات المتحدة، هناك ما يعرف فيها باسم الرقم القياسي لأسعار أحد الأعياد Christmas Price Index. ولعل الهيئة العامة للإحصاء في بلادنا تنظر في عمل متابعات قياسية من هذا القبيل.
رغم التوسع لنشاط أنشطة تجزئة قبيل يوم العيد، لكن هناك نقطة ضعف. هناك قدر ضائع أو في حكم الخسارة deadweight loss حسب التعبير المستخدم في الاقتصاد الجزئي؛ أي اقتصاد الوحدات والأفراد من بائعين ومشترين مستهلكين، وليس في اقتصاد الوطن والمجتمع كله. ما مصدر الخسارة للبائع والمستهلك؟
تكمن الخسارة في الفرق في تقييم قيمة وأهمية السلعة بين الطرفين الدافع والمتسلم، أي من يشتريها ويدفع ثمنها ومن يتسلمها ويستفيد منها، باعتبارها هدية أو هبة أو مساعدة. ذلك أن البشر يتفاوتون تفاوتا كبيرا في تقييمهم توافر سلعة من السلع بين أيديهم في وقت من الأوقات. وتبعا لهذا التفاوت، يختلفون في تقييم ما تستحقه تلك السلعة من مال يدفع مقابل الحصول عليها. وتطبيقا على هدايا العيد، تختلف التقييم للسلعة المهداة بين مهدي السلعة والمهداة إليه.
هناك مشكلة من نوع آخر. تجلب مواسم الأعياد ضغوطا مالية على كثير من الأفراد والعائلات، نتيجة زيادة الإنفاق زيادة حادة. وهنا ممكن عمل ترتيبات تخفض تلك الضغوط المالية. وهي ترتيبات يعمل بها بعض المجتمعات لتخفيف ضغوط تزايد النفقات في مناسبات. من هذه الترتيبات جمعيات أو برامج ادخارية قصيرة المدى لا تستمر عادة إلا عاما فأقل.
وهنا تطمح الرؤية المباركة لقيام برامج ادخارية. ولعل الأمر يتطور لتأسيس برامج ادخار موسمية قصيرة المدى. ذلك أن شهر رمضان والعيد وفق التقويم القمري، لكن الرواتب وفق التقويم الشمسي.
والمطلوب التوسط والاعتدال. أي التوسع بحدود، وعدم المبالغة في الإنفاق. والله لا يحب المسرفين ولا المبذرين. وأمرنا بالاعتدال في المأكل والمشرب والإنفاق، قال سبحانه: “وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”، وقال “وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً”، وقال: “وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ”. وبعض الناس يتحملون ديونا ضخمة بسبب إنفاق كثير من الأموال في كماليات، وقد يندفعون في تقليد ذوي الغنى. كيف تعرف أنك تبالغ في الإنفاق؟ إحدى الطرق أن تبحث في حجراتك وخزائن ملابسك. كم من الأشياء التي لم تستخدمها على مدى عام؟ ما الأشياء التي لم تستخدمها على مدى أعوام؟ بل على مدى عام واحد؟
وعيد فطر سعيد ومبارك للجميع.
نقلا عن الاقتصادية