ارتفعت أسعار النفط في وقت مبكر منذ الخميس الماضي إلى أعلى مستوى لها في ستة أسابيع، بفضل بيانات إيجابية للاقتصاد الأمريكي وتوقعات بزيادة الطلب من وكالة الطاقة الدولية و"أوبك +" وإعادة توازن مخزونات النفط في الولايات المتحدة. حيث، قفزت أسعار خام برنت إلى أكثر من 68 دولارا للبرميل، واقتربت أسعار غرب تكساس الوسيط من 65 دولارا للبرميل، لكن الأسعار تراجعت صباح اليوم التالي، الجمعة. من المحتمل أن تكون عمليات جني الأرباح بعد المكاسب القوية، جنبا إلى جنب مع تنامي المخاوف من انتشار فيروس كورونا في الهند، قد أسهمت في هذا الانخفاض. مع ذلك، أنهت الأسواق الأسبوع على ارتفاع.
في وقت سابق من الأسبوع الماضي، توقعت "أوبك +" زيادة الطلب على النفط هذا العام بمقدار 5.95 مليون برميل يوميا. كان هذا تعديلا تصاعديا قدره 70 ألف برميل يوميا من توقعات سابقة، وقد أثارت هذه الحقيقة التفاؤل لدى المتداولين، كما فعل قرار "أوبك +" بالتخلي عن الاجتماع الوزاري الأسبوع الماضي ومواصلة الإنتاج بالمعدلات المتفق عليها مسبقا.
في الاجتماع الوزاري السابق في أوائل نيسان (أبريل)، قررت "أوبك +" إعادة أكثر من مليون برميل يوميا إلى الأسواق تدريجيا بين أيار (مايو) وتموز (يوليو). وستبدأ السعودية أيضا في التراجع التدريجي عن خفضها الطوعي البالغ مليون برميل يوميا، بدءا من زيادة الإنتاج بمقدار 250 ألف برميل يوميا في هذا الشهر.
في اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة "لأوبك+" الأخير، قال محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة أوبك: إن "سوق النفط تواصل جني فوائد دعم اتفاقية إعلان التعاون لاستقرار سوق النفط المستدام وتوفير منصة للتعافي الاقتصادي العالمي"، مشيرا إلى "المسار الإيجابي للاقتصاد العالمي، مقرونا بإجراءات التحفيز، والتقدم في التطعيمات وموسم السفر الصيفي، كقوى دافعة لتحسين توقعات الطلب على النفط في النصف الثاني من العام". ومع ذلك، أكد أيضا أن هناك عديدا من العوامل التي تتطلب المراقبة واليقظة المستمرة. وكانت التوقعات المتفائلة للاقتصاد العالمي هي القوة الدافعة وراء التحسن الأخير في أسعار النفط رغم استمرار الرياح المعاكسة، بما في ذلك ارتفاع معدلات العدوى وتباطؤ معدلات التطعيم في بعض أنحاء العالم.
في غضون ذلك، ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية يوم الأربعاء الماضي أن مخزونات النفط الخام في حدود متوسط الخمسة أعوام لهذا الموسم - لأول مرة منذ شهور - وأن مخزونات نواتج التقطير المتوسطة انخفضت بمقدار 3.3 مليون برميل الأسبوع الماضي. لقد كانت نواتج التقطير المتوسطة، خاصة وقود الديزل، مصدر إزعاج لمصافي التكرير خلال الجائحة، حيث وصلت المخزونات إلى مستويات مفرطة بسبب التباطؤ في الأنشطة المختلفة التي تنطوي على نقل البضائع. الآن، تعود الشركات إلى العمل الطبيعي، وفقا للبيانات، ويزداد الطلب على الديزل. يبدو أن التطورات الأخيرة في الطلب على الوقود في الولايات المتحدة كانت كافية لتجاوز القلق السابق بشأن الطلب الهندي على الوقود وسط عودة ظهور الإصابات هناك.
وفقا لما نقلته "بلومبيرج" عن بعض المحللين، هناك كثير من المؤشرات الإيجابية لتعافي الطلب. ووفقا لهم، الوضع في الهند من الواضح أنه سيكون رياحا معاكسة، لكن بالنظر إلى ما يحدث في الولايات المتحدة، إنها قصة مختلفة تماما. وفقا لشركة Rystad Energy "تتوقع الأسواق انتعاشا كبيرا للطلب العالمي على النفط بدءا من الصيف فصاعدا". "مع تقدم حملات التطعيم وبدء رفع عمليات الإغلاق قريبا في أوروبا وغيرها من الاقتصادات التي تتعافى، ستزداد الحاجة إلى وقود الطرق والطائرات وستظهر النتيجة".
لكن رغم معدلات التطعيم المرتفعة في مناطق كثيرة من العالم، يبدو أن الناس لا يزالون حذرين من النقل العام، ويختارون المركبات الشخصية، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط الخام إلى جانب المعادن. بالفعل، ارتفعت مبيعات السيارات في أوروبا بنسبة 63 في المائة في آذار (مارس) لتصل إلى 1.39 مليون، وهو رقم مرتفع ليس فقط مقارنة بالعام الماضي، عندما تراجعت مبيعات كل شيء ما عدا المنظفات ومعدات التطهير. كان رقم التسجيل لآذار (مارس) أعلى رقم شهري لمبيعات السيارات منذ حزيران (يونيو) 2019، وفقا لـ "بلومبيرج". بصورة عامة، ارتفعت مبيعات السيارات في الربع الأول من هذا العام، بمعدلات كبيرة. كما زادت مبيعات السيارات الكهربائية بما في ذلك السيارات الهجينة بقوة لكنها شكلت 15 في المائة فقط من إجمالي المبيعات الفصلية. هذا يعني أن سيارات البنزين أو الديزل لا تزال هي الخيار المفضل لعديد من السائقين، ومن هنا تأتي الأخبار الجيدة للطلب على النفط.
في الواقع، يبدو أن التفاؤل في ازدياد. حيث التزم بنك جولدمان ساكس، الذي كان متفائلا بشكل خاص بشأن أسعار النفط، بتوقعاته بأن خام برنت قد يصل إلى 80 دولارا للبرميل في النصف الثاني من هذا العام. وقال البنك الاستثماري أيضا في تقرير جديد، إنه يتوقع أن يسجل الطلب العالمي على النفط أقوى انتعاش له على الإطلاق خلال الأشهر الستة المقبلة. وفقا لـ"جولدمان ساكس"، نمو الطلب بمعدل 5.2 مليون برميل في اليوم سيكون نتيجة تسريع التطعيمات في أوروبا، ما سيؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على السفر. سيؤدي هذا أيضا إلى زيادة الطلب على وقود الطائرات - وهو الجزء الأكثر تضررا من صناعة الوقود - إلى 1.5 مليون برميل يوميا، وفقا للبنك الاستثماري.
إذا استمر ارتفاع الطلب وبالتالي الأسعار كما هو متوقع، فسيوفر مساحة تنفس مريحة لاقتصادات الدول المصدرة المعتمدة على النفط كمصدر رئيس للدخل، ويحتاج معظمها إلى تداول خام برنت أعلى بكثير من الأسعار الحالية لتجنب عجز آخر في الميزانية. قد يكون سعر 70 دولارا للبرميل لأكثر النفوط تداولا مرتفعا بما يكفي للبعض، ومع ذلك، هناك دول أخرى، في حاجة إلى النفط بسعر 100 دولار للبرميل لتغطية نفقات ميزانيتها. لكن في الوقت نفسه من شأن تعافي الطلب على النفط أن يقوض الدعوات إلى تعافي أخضر من الوباء. في هذا الجانب، حذرت وكالة الطاقة الدولية بالفعل من أن الانبعاثات تتزايد مرة أخرى بعد أن تراجعت في العام الماضي بسبب الإغلاق. يبدو أن انتعاش الطلب على النفط الذي تتوقعه المنظمات، البنوك والمحللون دليل على أن الانتقال إلى قطاع نقل يعتمد بالكامل على الكهرباء أو يشكل الكهرباء الجزء الأعظم منه قد يكون أكثر صعوبة وأبعد منال مما يأمل البعض.
نقلا عن الاقتصادية