في حوكمة التداول.. إلغاء سوق المزادات مؤقتاً من بورصة الكويت

14/04/2021 0
أ. هشام عماد محمد العبيدان

تعمل إدارة أسواق الأوراق المالية المُنَظَّمة، أو ما يُسمَّى اصطلاحاً: "البورصة"، على إيجاد بيئةٍ جاذبةٍ للإدراج فيها؛ حيث إنَّ إدراج المزيد من الأوراق المالية القوية يُساهمُ في دعم القيمة السوقية للبورصة.

في هذا الخصوص، تُعتبرُ شركات المساهمة مفتاح نجاح عملية الإدراج؛ فالشركة هي المادة التي تقوم البورصة على دراستها وتقييمها قبل قبول إدراج الأوراق المالية الصادرة عنها في السوق.

وبالنظر إلى صعوبة قواعد الإدراج في: "سوق الكويت للأوراق المالية"، فقد كان الإدراج فيها حُلماً مستحيل المنال للعديد من الشركات الراغبة بدخول تجربة البورصة.

وبعد أن تحوَّل سوق الكويت إلى: "شركة بورصة الكويت" عام 2014، وبعد حلول البورصة محلَّ السوق رسمياً عام 2016، فقد انتهجت إدارة البورصة نهجاً أكثرَ مرونةً في التعامل مع معايير الإدراج؛ ذلك بهدف فتح الباب أمام الشركات الواعدة للنمو، لكن دون أن يتأثَّر السوق.

بناءً عليه، فقد ارتأتْ بورصة الكويت اعتماد منهج تقسيم السوق إلى ثلاثة أقسام منذ عام 2018 كالتالي (مادة 8-1 قواعد بورصة الكويت):

* السوق الأول، وهو سوق النخبة،

* السوق الرئيسي، وهو سوق الشركات المتوسِّطة،

* سوق المزادات، وهو سوق الشركات الناشئة والطموحة.

كلُّ هذه الأسواق هي جزءٌ من البورصة، لكنَّها مُقسَّمةٌ وفق مستواها إلى ثلاثة مستوياتٍ، بحيث يأتي ترتيبُ كلٍّ منها وفق معايير القيمة السوقية والسيولة (مادة 1 القواعد)؛ فكلَّما كانت هذه المعايير مرتفعةً كان إدراج الشركة وتدرُّجها باتِّجاهٍ أعلى، وكلَّما كانت المعايير منخفضةً كلَّما هبط مستوى السوق الذي تنتمي إليه الشركة.

لكن، ومع وصول أزمة كورونا الصعبة للكويت، فقد أصدرت البورصة قراراً حاسماً، مفاده وقف العمل بسوق المزادات، ونقل جميع الشركات المدرجة فيه إلى السوق الرئيسي ابتداءً من 9 فبراير 2020 (مادة 1-9-2 و3 القواعد بعد التعديل).

فما هو سبب هذا القرار؟ وهل يُعتبرُ بمثابة فشلٍ لسوق المزادات؟ وما هو الدرسُ المُستَفَادُ من هذه التجربة؟

والأهم من ذلك: هل إنَّ مخالفة مبادئ حوكمة التداول هي التي أدَّت إلى إلغاء سوق المزادات؟

لمعرفة الإجابة عن هذه التساؤلات، علينا أولاً تحديد ملامح سوق المزادات كما وَرَدَتْ في قواعد بورصة الكويت؛ حيث كان هذا السوق عبارةً عن درجة الهبوط الأدنى للشركة قبل أن يتمَّ إلغاء إدراجها من بورصة الكويت نهائياً.

هذا يعني، أنَّ الشركة ذات السيولة المُنخَفِضَة لن تستطيع الإدراج في سوق المزادات بشكلٍ فوريٍّ (مادة 7-1-3 القواعد)، بل يمكن أن تَهبِطَ إليه من السوق الأول فالرئيسي، أو من السوق الرئيسي مباشرةً وفق المراجعة السنوية للشركة (مادة 8-6 القواعد).

وهذا يُشيرُ إلى عدم اعتراف بورصة الكويت بسوق المزادات على أنَّه سوقٌ بكلِّ ما للسِّوقِ من كيانٍ مُستقلٍ وعناصرٍ ومعايير إدراجٍ، بل كانت البورصة تَعتَبِرُهُ مُجرَّد فرصةٍ أخيرةٍ للشركات المُتَرَاجِعَةِ في أدائها المالي والسوقي أو المُتعثِّرة.

وفي هذه النقطة تَظْهَرُ أهمُّ قاعدةٍ مُتَنَاقِضَةٍ مع طبيعة سوق المزادات المُنظَّم، وهي قاعدة الحرية السعرية الكاملة التي كانت قائمةً خلال عمل السوق.

هذا يعني أنَّ سوق المزادات كان غيرَ مُقيَّدٍ بأية قيودٍ سعريةٍ سواءً للارتفاع أو الانخفاض (مادة 8-7-4 القواعد)؛ الأمر الذي قد يُغيِّر من القيمة السوقية لأيِّ سهمٍ في السوق بشكلٍ جذريٍّ، وهي البيئة التي يَبْحَثُ عنها المضاربون بالدرجة الأولى، لأنَّها تسمح لهم بتحقيق أرباحٍ خياليةٍ من فروق الأسعار.

كانت قاعدة الحرية السعرية الكاملة لسوق المزادات بمثابة استثناءٍ كاملٍ لمنهج بورصة الكويت في تحديد تقلُّبات الأسعار في السوق الأول والرئيسي (مادة 9-12 القواعد).

ويبدو أنَّ بورصة الكويت كانت تهدف من تحرير سوق المزادات إلى إتاحة الفرصة للشركات الناشئة حتى ترتفع قيمها السوقية بشكلٍ مُتَسَارِعٍ دون قيدٍ، وفي نفس الوقت، سَلَّطت هذه الظروف الضوء على الشركات الضعيفة بشكلٍ كبيرٍ، الأمر الكفيل بانهيار قيمتها السوقية بشكلٍ مُتَسَارِعٍ أيضاً.

لكن إدارة البورصة لم تتوقَّعْ انقلاب سوق المزادات إلى ساحةٍ للمضاربة، والشركات المُتَعَثِّرَة، الأمر الذي انكَشَفَ بشكلٍ كبيرٍ بعد مَضِيِّ جلسات التداول وبدء آثار أزمة كورونا، حيث أصبح سوق المزادات خطراً بحدِّ ذاته على توازن السيولة في السوق الأول والرئيسي، وكان سوق المزادات سبباً في سحب السيولة من البورصة بدلاً من أن يكون عنصراً جاذباً للسيولة.

وعلى الرغم من أنَّ البورصة كانت تملك حدود للأسعار في سوق المزادات بقرارٍ خاصٍّ (مادة 9-12 القواعد)، إلاَّ أنَّها سارَعَتْ إلى إلغاء السوق برُمَّتِهَا.

وهنا يظهر وجودَ مبالغةٍ من الأساس في قواعد بورصة الكويت التي حرَّرت التقلُّبات السعرية في سوق المزادات بشكلٍ كاملٍ، رغم أنَّه كان من الأفضل توسيع نسب القيود السعرية لمنح المرونة للسوق، وليس إلغاء هذه القيود بالمطلق، وهي نقطةٌ قد تكون محلَّ نظرٍ في حوكمة التداول.

كما أنَّ الإجراء المُتَمَثِّل بنقل شركات سوق المزادات إلى السوق الرئيسي، هو الآخر محلُّ نظرٍ، حيث إنَّ هذا النقل يعني فشل سياسة الفصل بين الشركات متوسِّطة وضعيفة السيولة، ويَجمَعُهَا معاً في سوقٍ واحدٍ، الأمر الذي قد يؤدِّي إلى انتقال أزمة السيولة إلى السوق الرئيسي، فيما كان من الأفضل إعادة تقييم شركات سوق المزادات واختيار الأفضل منها لهذا الانتقال الحسَّاس مالياً.

وبالنتيجة فإنَّ الشركات التي كانت مدرجة في سوق المزادات قد تلقَّت جائزةً على إلغاء تجربة هذه السوق، في حين أنَّها تتحمَّل -بفعل أدائها المالي- قسماً من مسؤولية هذا الإلغاء، وهذا لا يخدم حوكمة التداول بأيِّ حالٍ من الأحوال. 

 

خاص_الفابيتا