يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تساعد على خفض الانبعاثات من قطاع توليد الكهرباء، لكن لها قيود عندما يتعلق الأمر بقطاعات أخرى. على سبيل المثال، لا يمكن لطاقة الرياح والطاقة الشمسية أن تساعدا كثيرا على إزالة الكربون من الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة مثل صناعة الصلب أو النقل البحري أو النقل الثقيل. لذلك، تبحث الحكومات والصناعة النفطية عن أنواع وقود بديلة يمكن أن تجعل تلك القطاعات التي يصعب إزالة الكربون منها أقل تلوثا، في وقت يكافح العالم للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
في الأعوام الأخيرة، اكتسب الهيدروجين كثيرا من الزخم. حيث يتم اعتماده الآن في كل استراتيجية تقريبا لشركات النفط الكبرى، ويمكن رؤيته في عديد من الخطط الحكومية لإزالة الكربون في الصناعة. في هذا الجانب، تقول الحكومات، والمنظمات الدولية، وكبار خبراء النفط والغاز: إن الهيدروجين الأزرق المنتج من الوقود الأحفوري المصاحب في إنتاجه احتجاز انبعاثات الكربون وتخزينها أو إعادة استخدامها، والهيدروجين الأخضر المنتج من التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الكهرباء من الطاقة الشمسية أو الرياح، يمكن أن يكونا المفتاح للمساعدة على إزالة الكربون من انبعاثات الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.
سيلعب الهيدروجين دورا بارزا في خفض انبعاثات الكربون من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وفقا لشركة المرافق الألمانية العملاقة RWE، وتعهدت أن تصبح محايدة للكربون بحلول عام 2040. وتناقش الشركة إطارا تنظيميا مع الحكومة الألمانية من أجل إطلاق اقتصاد الهيدروجين. بصورة عامة تعمل مرافق إنتاج الطاقة الألمانية على تعزيز توليد الطاقة المتجددة، التي ستساعد - يوما ما - على إنتاج الهيدروجين الأخضر. بحلول نهاية العام المقبل 2022، تهدف شركة RWE إلى توسيع محفظتها من محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى أكثر من 13 جيجاوات GW من أكثر من 9 جيجاوات الآن. إن الشركة، التي تشارك الآن في نحو 30 مشروعا للهيدروجين، مقتنعة بأنه إضافة إلى التوسع الإضافي في مصادر الطاقة المتجددة، فإن الهيدروجين الأخضر سيكون عاملا أساسيا في إنجاح التحول في نظام الطاقة. لكنها في الوقت نفسه تقر أن هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة لجعل الهيدروجين الأخضر والبنية التحتية ذات الصلة حلا مجديا من حيث التكلفة على النطاق الصناعي.
لكن رغم وعود الهيدروجين الأخضر، فإن معظم إنتاج الهيدروجين اليوم يأتي من إصلاح reforming الغاز الطبيعي وتغويز الفحم "التحويل للغاز"، مع انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون المصاحب بحسب وكالة الطاقة الدولية.
لا يزال الهيدروجين الأخضر باهظ التكلفة بالنسبة للعمليات الصناعية. لذلك، فإن عديدا من شركات النفط والغاز الكبرى رغم أنها تهدف في نهاية المطاف إلى أن تصبح منتجة للهيدروجين الأخضر، إلا أنها تراهن الآن على ما يسمى الهيدروجين الأزرق الذي لا يزال ينتج من الغاز الطبيعي، لكن مع التقاط الكربون واستخدامه أو تخزينه CCUS لإزالة الانبعاثات.
في هذا الجانب، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها العام الماضي: "لا يزال اقتران التقنيات التقليدية مع التقاط الكربون واستخدامه أو تخزينه هو المسار الرئيس لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون، ومن المرجح أن يظل كذلك على المدى القصير إلى المتوسط، لأن تكاليف الإنتاج أقل من التقنيات الأخرى منخفضة الكربون مثل التحليل الكهربائي".
بغض النظر إذا كان الهيدروجين أخضر أو أزرق، راهنت أخيرا الدول المنتجة للنفط وشركات النفط الكبرى بشكل كبير على الهيدروجين كجزء من تقديم حلول طاقة منخفضة الكربون للمساعدة على الحد من الانبعاثات وإزالة الكربون من الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، حيث يصعب تخفيف الانبعاثات. في هذا الجانب، قال الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي: إن المملكة لديها خطط طموحة كي تصبح أكبر مصدر للهيدروجين في العالم مؤكدا أن السعودية ستكون قائدة في إيجاد الحلول لمستقبل الطاقة الخضراء. وكشف خبراء في مجال الطاقة أن سوق الهيدروجين، التي بدأت بالازدهار ستكون المملكة واحدة من أكبر القوى العالمية فيه لإنتاج غاز الهيدروجين، لأنها تملك كل المقومات والقدرات التي ستجعلها منافسة وتتصدر هذه السوق. وأشار تقرير لـ "بلومبيرج"، إلى أن المملكة لديها خطة جريئة للتفوق وتصدر سوق الهيدروجين، حيث تقوم ببناء مصنع في نيوم بقيمة خمسة مليارات دولار لإنتاج الوقود الأخضر للتصدير، وتقليل اعتماد الدولة على النفط، ويتوقع أن يكون أكبر مصانع الهيدروجين النظيف في العالم لدى افتتاحه عام 2025، وهو يعمل بطاقة الشمس والرياح.
أوروبيا، قال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة توتال الفرنسية، إن الشركة تتطلع لأن تصبح منتجا كبيرا للهيدروجين النظيف يوما ما. لقد تقدمت شركة توتال وشركة إنجي Engie للطاقة بطلب للحصول على إعانات، إذا تم الحصول عليها، فإنها ستسمح لهم ببناء أكبر منشأة هيدروجين أخضر في فرنسا تستخدم الطاقة الشمسية فقط لإنتاج الهيدروجين. تتشارك شركة إنجي أيضا مع شركة Equinor النرويجية العملاقة لاستكشاف إمكانات إنتاج الهيدروجين الأزرق في بلجيكا، وهولندا، وفرنسا.
وفي إسبانيا، قالت شركة ريبسول التي تعهدت مثل الشركات الأوروبية الكبرى الأخرى، إنها ستعتمد على أربع ركائز رئيسة في تحولها: كفاءة الطاقة، والاقتصاد الدائري، والهيدروجين المتجدد، والتقاط الكربون واستخدامه أو تخزينه.
تعمل أيضا شركات بريتش بتروليوم، شيل وإيني على تطوير مشاريع الهيدروجين الأخضر. حيث قالت شركة بريتش بتروليوم أخيرا: إنها بدأت في تطوير خطط لما سيكون أكبر مشروع هيدروجين في المملكة المتحدة، بهدف إنتاج واحد جيجاوات من الهيدروجين الأزرق بحلول عام 2030. كما تقود شركة شل عديدا من مشاريع الهيدروجين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مشروع NortH2 في هولندا، والمتوقع أن يكون أكبر مشروع هيدروجين أخضر أوروبي بحلول عام 2040. في نهاية العام الماضي انضمت شركتا RWE وEquinor إلى اتحاد شركاء NortH2. تراهن شل أيضا على الهيدروجين كأحد أنواع الوقود التي يمكن أن تساعد على خفض الانبعاثات في صناعة الشحن البحري.
ليست الشركات الأوروبية الكبرى فقط هي التي تهدف إلى تعزيز مكانتها في اقتصاد الهيدروجين الناشئ. حيث، قالت شركة إكسون موبيل، إنها في وضع يمكنها من النجاح في الهيدروجين، مشيرة إلى أن الهيدروجين منخفض الكربون من الغاز الطبيعي مع احتجاز الكربون وتخزينه له مزايا في التكلفة على النطاق الصناعي مقابل البدائل الأخرى. كما تتطلع شركة شيفرون الآن إلى الاستثمار في تقنيات منخفضة الكربون مثل الهيدروجين والتقاط الكربون واستخدامه أو تخزينه في خطتها لتحقيق عوائد أعلى، وكربون أقل.
لكن، إلى أن تسمح تقنيات الهيدروجين الأخضر بالتنافس مع أشكال أخرى من الهيدروجين من حيث التكلفة على النطاق الصناعي، تراهن كبرى شركات النفط والغاز في العالم على الهيدروجين الأزرق لإمكانية تطوير حل لإزالة الكربون من الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة.
نقلا عن الاقتصادية