لماذا الخصخصة أو تحويل المنشأة العامة إلى خاصة؟

22/03/2021 1
د.صالح السلطان

يمكن تعريف الخصخصة بأكثر من تعريف. ولعل أشهرها باختصار هو تحويل المنشأة العامة إلى خاصة في الملكية و/أو التشغيل. أما تحويلها لتطبق نظام العمل والتأمينات الاجتماعية وحسابات الربح والخسارة، مع بقائها حكومية، فهذه ليست خصخصة. من الأمثلة شركات المياه والخطوط الحديدية.

سؤال: لماذا الخصخصة؟ وممكن طرح السؤال بطريقة معاكسة بمعنى: لماذا عدم الخصخصة؟

هناك ما يسمى السلع العامة public goods، هذا المسمى يشمل الخدمات التي لا يوفرها أصلا القطاع الخاص في أي دولة. والسلع العامة في المصطلح الاقتصادي تعني سلعا تمتاز بخصيصتين: لا تقبل الاستبعاد ولا المزاحمة. استهلاك الفرد منها لا يترتب عليه استبعاد غيره من المشاركة في الاستهلاك، ولا يترتب عليه التزاحم في الاستهلاك ضمن حدود طبعا. المرافق العامة كالشوارع مثال.

وهناك سلع بعينها رغم أنها تناسب القطاع الخاص، لكنه لا يحب بدء الاستثمار بها في أغلب الدول. وهنا توضيح لماذا.

من المعروف أن الثورة الصناعية وما أنتجته من سلع بدأت وتطورت في الغرب، بيد القطاع الخاص وليس بيد الحكومة. أما فيما يسمى الدول النامية فإن كثيرا من منشآتها الكبيرة ذات الطبيعة التجارية أنشأتها حكومات تلك الدول، وصحبه في بعض الأحيان انفراد في مزاولة النشاط. لماذا؟ لأن حكومات هذه الدول وتبعا لطبيعة اقتصاداتها، أنسب وأقدر غالبا بتوفير الخدمة أو السلعة من القطاع الخاص لأكثر من سبب، مثل أن تتصف الخدمة بأنها جديدة على المجتمع، تتطلب استثمارات ومهارات لا تتوافر لدى القطاع الخاص، أو قد لا يرغب في المغامرة. ومعروف أن رأس المال الخاص جبان.

الحالة الأخيرة مرت ببلادنا وسارت عليها في مجالات عديدة وحققت نجاحا عبر عشرات الأعوام. وحيث إن البلاد - بحمد الله - حققت إنجازات كبيرة في التعليم والمجتمع والاقتصاد، فإن الدولة تخطط ضمن "رؤية 2030" لبرنامج خصخصة واسع، بما يزيد من مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد. وهذا هو الأصل.

وخلاف ما سبق، قد يرى ذوو الشأن في بعض الدول استمرار تولي الحكومة إدارة وإنتاج سلع أو خدمات بعينها لأنها حيوية للجمهور، وهذا ما يعبر عنه أحيانا بالجانب الاجتماعي.

لوحظ أن تشغيل الحكومات لسلع كان ممكنا تشغيلها من خلال القطاع الخاص، لوحظ أن النتائج قد لا تكون مرضية اقتصاديا وإن كانت مرضية من جانب اجتماعي. حتى الجانب الاجتماعي يتوقع أن يصيبه ضرر على المدى الطويل. المؤسسات العامة في مجال المصروفات أو الإيرادات أو نوعية الإنتاج أو تطويره في الدول بصفة عامة تعمل بكفاءة دون المطلوب أو المؤمل. ويدخل في ذلك تحقيق خسائر أو تحقيق أرباح دون المؤمل.

ماذا تفعل منشأة عامة مع استمرار الخسائر، أو ضعف الأرباح؟

قد تحاول المنشأة العامة خفض التكاليف، أو رفع الإيرادات غالبا برفع الأسعار، و/أو تعديل في قواعد عمل المنشأة كإعطائها مزيدا من الاستقلالية، أو حتى جعلها تتولى أمر نفسها بنفسها بغرض رفع مستوى الأداء، والكفاءة. لكن يلاحظ أنه وإن أمكن تحقيق ذلك، فالعادة أن النجاح لا يرقى في أحيان كثيرة إلى منافسة المؤسسة الخاصة. الأسباب كثيرة لكن أهم هذه الأسباب - في نظري - تلخصه المقولة التالية: ما حك ظهرك مثل ظفرك، أي إن صاحب الشأن سيهتم بشؤونه أكثر من غيره. الملاك يهمهم حدا أدنى من نجاح مؤسستهم، ومن تحتهم من مديرين تنفيذيين كبار غير ملاك فإن عليهم تحقيق هذا الهدف أو ترك وظائفهم، ولذا فإن المؤسسة الخاصة يفترض أن يتوافر فيها عنصر رقابي - الملاك أو من يمثلهم - أقوى.

إزاء المناصرين للخصخصة، هناك من لا يرون ارتباطا بين المعوقات ونوع الملكية. من جهة أخرى، هناك من يرى أن التدخل الحكومي في أسواق عدد من الدول هو بسبب الانحرافات الموجودة في السوق. وهذه الانحرافات تضعف فرصة تحقيق الكفاءة للمنشأة بعد تخصيصها.

من نتائج خصخصة الدول لمنشآت مربحة فقد الحكومات أرباح ما تم تخصيصه. هل استثمرت أموال الخصخصة في مشاريع لا تقل ربحية؟ الجواب ربما نعم وربما لا. وفي هذه الحالة تعالج الدول نقص هذه الأرباح وتبعا الإيرادات العامة مع مرور الأعوام بطرق من أهمها فرض أو زيادة رسوم/ضرائب للتعويض عن كل أو بعض الأرباح المفقودة. هذه النقطة مهمة.

هل الخصخصة تضمن النجاح؟ الجواب ببساطة لا. وجود الخصخصة لا يعني ضمان النجاح، لأن نجاح المؤسسات الخاصة غير مضمون، لكن فشل المؤسسة، وهي خاصة، غالبا أقل حدة من فشلها وهي عامة. كما أن تحسن كفاءة المنشأة الخاصة نتيجة تخصيصها مرتبط بكفاءة أو فعالية الاقتصاد، فمثلا في كثير من الدول النامية هناك مشكلات أساسية في الأداء والإنتاجية، ليس في الحكومة فحسب، بل حتى في كثير من منشآت القطاع الخاص خاصة الكبيرة، التي تتعدد فيها المستويات الإدارية ويقل فيها الإشراف المباشر من الملاك. ولهذا تصدر تعليمات ونظم بهدف محاولة تقليل حصول وتأثير هذه المشكلات.

 

نقلا عن الاقتصتادية