في الأسابيع الأخيرة، دعم الطلب القوي على النفط في آسيا الاتجاه التصاعدي في أسواق النفط، لكن أسعار النفط المرتفعة قد تؤدي إلى تهدئة مشتريات النفط الخام من أهم منطقة مستوردة للنفط في العالم. لقد كانت واردات النفط الآسيوية، خاصة الصينية، قوية منذ بداية العام. لكن، بدأت تظهر بالفعل دلائل على أنه لن تحدث موجة شراء قوية للنفط الخام في الربع الثاني من العام مع ارتفاع أسعار النفط عن 65 دولارا للبرميل واقترابها من 70 دولارا للبرميل، ما يؤثر في هوامش عمليات التكرير، مع بدء موسم الصيانة المخطط لها في المصافي الصينية في آذار (مارس) وأبريل (نيسان).
من ناحية أخرى، يشير بعض المحللين إلى أن الارتفاع في أسواق العقود الآجلة للنفط والاتجاه الصعودي للمستثمرين في الأسواق الورقية أقوى حاليا من أسواق النفط الخام الفعلية وتسعير الشحنات المتجهة إلى الصين ودول أخرى في آسيا.
الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، عززت بالفعل وارداتها من النفط الخام بشكل كبير في كانون الثاني (يناير) 2021 مقارنة بنهاية عام 2020، على خلفية عمليات الشراء القوية من المصافي المستقلة التي بدأت في استخدام حصص الاستيراد المخصصة لها لعام 2021. عمليات الشراء من قبل المصافي التي تسمى أباريق الشاي teapots، التي تمثل نحو خمس إجمالي الواردات الصينية، قد تباطأت قرب نهاية عام 2020، حيث إن عديدا من المصافي قد استهلكت بالفعل حصصها في وقت سابق من العام، مستفيدة من أدنى الأسعار في أعوام لتخزينها.
بالفعل لقد ساعدت الواردات القوية في كانون الثاني (يناير) 2021 على دعم الطلب العالمي على النفط في وقت كانت فيه عمليات الإغلاق في أوروبا وبعض المدن في الصين تؤثر في السوق. ومع ذلك، فإن النفط الخام الذي استوردته الصين في كانون الثاني (يناير) تم شراؤه في تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)، عندما كانت أسعار النفط في مكان ما في نطاق الأربعينات. مع تداول خام برنت الآن بشكل منتظم متجاوزا حاجز 65 دولارا للبرميل، تباطأت شهية الشراء، ليس فقط من الصين لكن أيضا من الهند. حيث كانت هاتان السوقان عموما أكبر محركات نمو للطلب في الأعوام الأخيرة. إضافة إلى ذلك، من المقرر أن تدخل المصافي الصينية في صيانة الربيع المخطط لها هذا الشهر والشهر المقبل، ما قد يضعف مشتريات النفط الخام من أكبر مستورد للنفط في العالم في الربع الثاني. في هذا الجانب، قال مصدر في مصفاة صينية لـ "رويترز": "الطلب بطيء للغاية الآن وهناك عديد من الشحنات المتاحة للاختيار من بينها". من المتوقع أيضا أن الصين على وشك الوصول إلى حدود سعتها التخزينية، ولن يكون من المنطقي أن تملأها إلى طاقاتها القصوى عند أسعار تزيد على 65 دولارا للبرميل، عندما انطلقت في موجة شراء قوية كانت أسعار النفط في الربيع الماضي في نطاق 20 - 30 دولارا للبرميل.
الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط في العالم، وتعتمد على الواردات لنحو 80 في المائة من استهلاكها المحلي، دعت في وقت سابق من الأسبوع الماضي، مجموعة "أوبك +" مرة أخرى إلى زيادة الإنتاج من نيسان (أبريل)، قائلة إنها لا تدعم التخفيضات للحفاظ على ارتفاع الأسعار، ومع ارتفاع أسعار النفط لتصل إلى أعلى مستوى لها في 13 شهرا، بدأت الهند في دعوة مجموعة "أوبك +" في وقت مبكر في كانون الثاني (يناير) للنظر في آثار ارتفاع أسعار النفط على الاستهلاك في الاقتصادات المتعافية.
من المؤكد أن الطلب على النفط في أكبر مستوردين في آسيا أعلى من أدنى مستوياته في بداية الوباء، لكن الطلب الآسيوي المرن ليس بالتأكيد المحرك الوحيد لأسعار العقود الآجلة للنفط هذه الأيام. يروج عديد من المسؤولين في الصناعة، لهذا الطلب المرن في آسيا، وبالفعل يتحسن الطلب الآسيوي، لكن الارتفاع في أسواق العقود الورقية قد يخفي في الوقت الحالي التباطؤ في الطلب في الأسواق الفعلية.
لقد أدى تشدد المعروض من النفط وتوقع طلب أقوى بكثير في وقت لاحق من هذا العام إلى تعزيز حالة التراجع Backwardation في منحى العقود الآجلة للنفط، وهي حالة السوق، حيث تكون أسعار العقود الأقرب أعلى من العقود الآجلة. مع أسعار العقود الآجلة أقل من أسعار العقود الفورية، يحصل المستثمرون الذين يستثمرون في العقود الآجلة على عائد إيجابي عندما يحين وقت دفع العقد الذي يمتلكونه. في ذلك الوقت، يجب عليهم بيع العقد بسعر أعلى واستبدال هذا المركز بالعقد التالي بسعر أقل، ما ينتج عنه عائد موجب. وكلما كان الانحدار أكثر حدة، زاد العائد الذي يحصلون عليه.
في هذا الجانب، يشير بعض المحللين إلى أن زيادة حالة التراجع في أسواق النفط حيث يتداول السعر الفوري عند أعلى المنحنى، وهو انعكاس لتشدد السوق، قد شهدت ارتفاع العائد من الاحتفاظ بمركز سلبي طويل بما يقارب 10 في المائة على أساس سنوي، والاقتراب من أفضل الظروف المواتية التي كانت السوق قادرة على تقديمها للمستثمرين خلال العقد الماضي. أضف إلى ذلك الجاذبية المتزايدة للعقود الآجلة للنفط كتحوط ضد التضخم، مع وجود مستثمرين ومضاربين يغذون ارتفاعا في الأسواق الورقية لا يشير بالضرورة إلى الطلب الفعلي على النفط الخام.
في ضوء هذه المعطيات، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط وبدء موسم صيانة المصافي إلى تباطؤ الواردات الآسيوية في الأشهر المقبلة، ويمكن للسوق التي تركز حاليا على متى سيصل النفط إلى 70 دولارا؟ أن يدرك أن الطلب الفعلي على النفط في آسيا، خاصة في الصين والهند، قد لا يكون قويا كما تشير أسعار العقود الآجلة للنفط.
نقلا عن الاقتصادية