فى علم الطقس تعرف العاصفة بأنها اضطراب يحدث فى الغلاف الجوى نتيجة تفريغ كهربائي مخلفا رياح قوية سريعة تجتاح بالامطار و الثلوج و الرمال مساحات هائلة لمدد زمنية متفاوتة ... و لأن الانسان يهوى تقليد الطبيعة أولا و لكن على طريقته و لصالحه فقد نقل مبتكرا بعضا من مظاهر تلك الظاهرة الجوية الى ظاهرة استثمارية جديدة بقيمة سوقية تناهز 1.6 تريليون دولار.
اذن هناك ثراء عظيم يتدفق إلى و من ثمار العملات المشفرة و على رأسها بتكوين الذى تستعد قيمته السوقية لتجاوز عتبة أول تريليون دولار ، فها هو يجتاح بعاصفته السعرية مستويات جديدة فوق 52 الف دولار كأثمن أصل رقمى متداول عبر التاريخ ...
و لكن هناك ما هو أهم من هذا كله ، فالاسعار قد تتهاوى فى لحظات ، و قد تنحى مؤقتا عواصف القيم السوقية لسلطات البنوك المركزية العالمية ، و قد يبرق أحدهم بتغريدة مؤثرة مضادة يتبعه على إثرها الكثيرون بغية متاجرة واسعة لإسفل ... كل هذا وارد و قيد التحضير و من طبيعية الاسواق ، و لكن الأهم الآن النظر الى ما يحدث بعيون عمالقة خارج عين العاصفة للاجابة على السؤال الاشهر هل تستمر تلك الظاهرة أم لا ؟!
اولا ... قبل ثلاثة قرون لم يكن الاقتصاد بمفهومه الضيق سوى فرعا من فروع علم الفلسفة الى أن أنار " آدم سيمث " 1723 - 1790 العالم برؤيته حول ثروة الأمم التى لا تصنعها الحكومات بل نشاط الافراد فى الاقتصاد الخاص .
تبتسم الآن أسواق العملات المشفرة أمام رؤية سميث فالتجارب بدأت فردية و خاصة و اشتعلت نشاطا لتضيف مئات المليارات من الدولارات للاقتصاد العالمى عبر روافد استثمارية مبتكرة تتسق مع معطيات العصر الرقمى الحالى ، و الحكومات و المؤسسات الكبرى هى من تلاحقها للانسجام و الاستفادة و التنظيم تحت عبائتها .
و لكن على جانب أخر يجب أن لا يتناسى جموع المتداولين فى الاسواق الرقمية كونهم مواطنين اولا و مستهليكين ثانيا فى شكل ما من الاقتصاد السياسى داخل دولهم ... تلك حقائق تفرض نفسها على جميع أطراف المشهد لإيجاد مساحة مشتركة فى قلب تلك الظاهرة .
ثانيا ... لا يتوقف الكثيرون أمام مصطلح " اقتصاد السبورة " الذى ابتكره العالم " رونالد كوس " 1910 - 2013 حيث يفند و ينتقد أكبر مشكلات علم الاقتصاد باعتماد الاغلبية على افتراضات و نظريات و نماذج ثابتة ترى سريان الامور بمثالية نظرية على عكس ما يقدمة الواقع فعلا ، فيصتدمان مرات و مرات الى ان ينتصر الواقع الحقيقى فعلا .
و هذا ما حدث و يحدث فى عالم العملات المشفرة ، فالمصرون على الرفض بعلم يتمسكون نظريا بنماذجهم الفنية و المالية ، بل و يشاركون الاقل علما دهشتهم ايضا من جنون اسعار بتكوين مثلا ، محللين المشهد كله بمجهر معادلات رياضية لا بالاجابة عن تساؤلات هامة حول الاسباب و الدوافع التى صنعت هذا كله .
و على الشاطىء الاخر الاكثر صخبا و دفئا يرتكب قطاعا واسعا من رواد الاسواق الرقمية نفس اخطاء الفريق الاول ، يطبقون اقتصاد السبورة على طريقتهم بغية تأكيد اثبات الوجود بأكبر حجم من التدفقات التريليونية حتى يتلاقا الطرفان بعد هدوء العاصفة ، و ربما على سبورة واحدة ايضا .
ختاما ... مخرجات العقول تقول كلمة المستقبل فى وجه استهلاك و استنزاف و اعادة تدوير الموارد العادية ، فالانسان المتحول من استخدام زيت كبد الحوت الى الفحم و النفط الى الطاقة النظيفة ، ليس غريبا أن يتحول ايضا من الذهب الى الدولار الى دولار كوين من قلب بتكوين و اخواته .
تتعدد الأمثلة التاريخية و الاحداث الراهنة التى تبشر ببقاء ظاهرة المتاجرة بالعملات المشفرة رافد اساسيا فى الاقتصاد العالمى لسبب رئيسي و هو " نمو موارد العبقرية الانسانية " فتقنياتها ستبقى و تتمدد و عملاتها سوف تطالها قوانين جديدة تنسجم مع طبيعتها و تحد من عصبيتها العاصفة .