بدأ النفط بداية جيدة هذا العام بفضل بدء حملة التطعيم وتعهد المملكة بخفض مزيد من الإنتاج. لقد أدى الارتفاع المستمر في إصابات فيروس كورونا حول العالم وتجدد الإصابات في الصين إلى هز التفاؤل وأثر في الأسعار، لكن يبدو أن الأمور تتحسن الآن بناء على أحدث بيانات وتوقعات العرض والطلب. ففي يوم الجمعة الماضي، تجاوز سعر خام برنت في بداية هذا الأسبوع 60 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ كانون الثاني (يناير) 2020، مدفوعا بانخفاض المخزونات في الولايات المتحدة والصين والقيود على الإنتاج.
بالنسبة للأخبار السارة، لدينا انخفاض مطرد في مخزونات النفط الخام والوقود في الولايات المتحدة. في هذا الجانب، تشير بيانات "رويترز" إلى أن إجمالي مخزونات النفط الخام والوقود في الولايات المتحدة انخفض بمقدار تراكمي بنحو 130 مليون برميل منذ منتصف 2020، و13 مليون برميل في الأسبوع الثالث حتى كانون الثاني (يناير) وحده. بشكل خاص، انخفضت مخزونات البنزين تقريبا إلى متوسط الخمسة أعوام، ما يشير إلى أن الطلب يرتفع بشكل كبير.
وفي التوقعات، قالت "وود ماكينزي" Wood Mackenzie في أحدث توقعاتها للطلب على المدى القصير: إنها تتوقع ارتفاع الطلب على النفط بمقدار 6.3 مليون برميل يوميا من العام الماضي إلى 96.7 مليون برميل يوميا. سيظل هذا الرقم أقل بنحو ثلاثة ملايين برميل في اليوم من مستويات ما قبل الوباء، لكن فيما يتعلق بارتفاع الطلب، فإن تعافي أكثر من ثلثي الطلب المفقود يعد أمرا جيدا للغاية. بتقرير منفصل، قالت الشركة الاستشارية: إن هذا العام قد يشهد بداية دورة كبيرة جديدة في السلع مع تعافي الاقتصاد وإطلاق العنان لطلب المستهلكين المكبوت. وأشار كبير محللي الشركة، إلى أن هذا الانتعاش لن يكون متساويا، لكن في أجزاء من العالم، سيكون كبيرا، رغم حقيقة أن الوباء لن يختفي تماما لفترة من الوقت.
كما أبدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ملاحظة متفائلة أخيرا، ترتكز مرة أخرى على الانتعاش الاقتصادي والتطعيم الشامل. وقالت الإدارة في تقريرها الأخير عن توقعات الطاقة قصيرة الأجل، إنها تتوقع ارتفاع استهلاك النفط العالمي 5.6 مليون برميل يوميا هذا العام و3.3 مليون برميل أخرى في 2022. كما أشارت الإدارة إلى أنها تتوقع العودة أكثر إلى أنماط السفر العادية بحلول منتصف هذا العام، وسيكون عاملا صعوديا خصوصا للنفط.
والمصدر المتفائل الثالث، رغم حذره مثل الآخرين، هو منظمة أوبك. حيث تتوقع المنظمة في تقريرها الشهري انتعاش الطلب على النفط بمقدار 2.6 مليون برميل يوميا في الأسواق المتقدمة و3.3 مليون برميل يوميا في الأسواق النامية، بقيادة الصين والهند.
رغم أن هناك إجماعا على أن التعافي الكامل للطلب على النفط لن يكون أحد الأحداث التي ستصادف عام 2021، إلا أنه قد يكون في طريقه في غضون عامين. في هذا الجانب، قالت شركة شلمبرجير قبل أسبوعين عندما أعلنت نتائج الربع الرابع أنها تتوقع انتعاشا كاملا إلى مستويات عام 2019 بحلول عام 2023. هذا رغم أجندة التحول في نظام الطاقة لكل من الاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية الجديدة، التي يتوقع كثيرون أن تؤثر بالطلب في النفط.
على صعيد المؤشرات الهبوطية، هناك تغيير طفيف. لا يزال عدم اليقين هو شعار العام، حيث تكافح الحكومات لتوزيع جرعات كافية من اللقاح بين سكانها. في أوروبا، اندلع خلاف بين الاتحاد الأوروبي وأسترا زينيكا بعد أن قالت شركة الأدوية، إنها ستوفر جرعات لقاح أقل بكثير مما تم الاتفاق عليه. وافقت الشركة الآن على توجيه تسعة ملايين جرعة إضافية إلى الاتحاد الأوروبي، ليصبح المجموع 40 مليون جرعة. ومع ذلك، فإن هذا لا يمثل سوى نصف ما يحتاج إليه الاتحاد الأوروبي، وقد تأثرت بالفعل عمليات التطعيم. عبر المحيط الأطلسي، الأمور صعبة بالمثل. حيث أبلغت جميع الولايات الأمريكية الـ 50 عن نقص في جرعات اللقاح، حتى الأماكن التي لا تزال فيها الجرعات متوافرة تجد صعوبة في توزيعها. حتى الآن، طلبت الولايات المتحدة نحو 1.2 مليار جرعة لقاح من عديد من شركات الأدوية.
فيما يتعلق بإمدادات النفط، لا تزال النقاط المحورية هي إيران وليبيا، بعد أن تعهد العراق بتخفيضات إضافية لشهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) للامتثال لالتزامات مجموعة "أوبك +". ومع ذلك، فإن الإنتاج الليبي مقيد حاليا من قبل حرس المنشآت البترولية، الذي يهدد مرة أخرى بإغلاق موانئ النفط ما لم يتم دفع الرواتب المتأخرة. لكن، طالما استمرت مجموعة "أوبك +" في الخفض بالمعدلات الحالية واستمرت المملكة في خفض مليون برميل إضافي يوميا إضافة إلى التزامات المجموعة، فإن الأمور ستبقى تحت السيطرة.
في غضون ذلك، يتوخى المنتجون الأمريكيون الحذر. لا يزال الإنتاج الأمريكي يراوح عند 11 مليون برميل في اليوم، حيث تنتظر الشركات خصوصا العاملة في النفط الصخري ارتفاع الأسعار لفترة أطول قبل أن يبدأوا في زيادة عمليات الحفر. في غضون ذلك، قامت مجموعة من الأوامر التنفيذية للإدارة الجديدة بتقييد عمليات الحفر الجديدة، وسيكون لها في النهاية تأثير إيجابي في الأسعار، وقد نشهد بداية زيادة الإنتاج في وقت لاحق من هذا العام.
بشكل عام، ببطء لكن بثبات، تتجه أسواق النفط نحو إعادة التوازن. لن يحدث ذلك بسرعة، ومن شبه المؤكد أنه ستكون هناك انتكاسات وسط ظهور متغيرات فيروس كورونا الجديدة التي حذر الخبراء الطبيون من أنها معدية أكثر، وربما أكثر فتكا من السلالة الأصلية. ومع ذلك، إذا التزمت مجموعة "أوبك +" بتخفيضاتها وحصل تقدم في عمليات التطعيم، رغم التحديات، سيبدأ العالم - والطلب على النفط - في العودة إلى طبيعته قبل نهاية هذا العام.
نقلا عن الاقتصادية