عام الوباء وعام 21

28/12/2020 0
مازن السديري

‏انتهى عام الوباء ورأينا شعوب العالم كيف تعاملت معه، فمن ينظر إلى عدد المصابين في دول شرق آسيا برغم اختلاف الأنظمة والثقافات يجد أنه يجمعهم الانضباط والتقيد، حيث عدد المصابين في تايوان وهونغ كونغ واليابان وكوريا الجنوبية والصين حوالي متوسط 1 % من السكان بخلاف الولايات المتحدة ودول أوروبا، ‏لا شك أن هذه الدول الآسيوية اتخذت خطوات رقابية صارمة مثل (السياج الرقمي) الذي اتخذته تايوان لمراقبة مواطنيها وحركاتهم لمعرفة مدى التزامهم، والأهم هو روح الفريق والعمل الجماعي في مجتمعات شرق آسيا، والتي تراها في الحديث عن شركاتهم وعملهم كأساس في التعامل والعمل، فهذه المجتمعات تؤمن أن الانضباط أهم من الإبداع في أوقات الحرب وزمن الوباء هو كذلك.

‏لمعرفة الخلاف بين هذه المجتمعات الأمر يحتاج إلى دراسة مفصلة؛ لكننا نلاحظ بعض المؤشرات، فمثلاً في الولايات المتحدة تعود الإغلاقات في بعض الولايات بشكل متكرر، وترتفع الأرقام من فترة لفترة، وكذلك أوروبا، ما يجبر الأميركي على اللا التزام ببعض المعايير ومايدعو لعودة التجمعات هو الوضع الاقتصادي والدخل، كم استغرقت خطة التحفيز الأخيرة لتمضي وأغلبها مساعدات مباشرة للأسر المحتاجة.

في حوار قريب، الرئيس المنتخب يتحدث عن أسراره، عن تطبيق خطة تحفيز هدفها على الأقل مساعدة عشرة ملايين أميركي ‏على دفع إيجار بيوتهم، من ينظر إلى أرقام المجتمع الأميركي قبل الأزمة أصلاً سيجد تبايناً ‏كبيراً في الدخل وارتفاع التدخين وشرب الكحول لدى فئات المجتمع الأقل دخلاً، وهو مؤشر للإحباط، خصوصاً أن هذه الفئة لم تكمل تعليمها، وغالباً يكون دخلها منخفضاً، ولا تملك تأميناً صحياً، وسط بنية تحتية ضعيفة في بعض الولايات، حيث شملت خطة التحفيز الأخيرة ‏إنفاقاً على تطوير البنية التحتية لاتصال الإنترنت النطاق العريض لبعض الأماكن وتقليص الفاتورة العلاجية وسط نظام نمو تكاليفه العلاجية، والدراسة تفوق نمو متوسط دخل الأسر..

أكثر ما يقلق الشباب الأميركي المثقف هو التكرار في القيادة الأميركية، فمثلاً الرئيس المنتخب الحالي كان نائباً لسلفه، وقبل ذلك بوش الابن يأتي على امتداد والده ويعيد رجال والده المسنين في بلد متجدد الكفاءات.

من الأشياء التي يتفق عليها كثير من الأميركيين حول ترمب أنه كسر‏ تكراراً أميركياً لأسرتي (بوش، كلينتون)، هزم (جيب بوش) شقيق الرئيس السابق، وكذلك هيلاري كلينتون التي بدأت حياتها السياسية سيناتوراً في نيويورك لمجرد أنها زوجة كلينتون.. لكن السؤال: لماذا أميركا لا تستطيع أن تكرر بيل كلنتون آخر؟ ذلك الشاب العصامي الناجح الذي شهدت أميركا في عهده تغيراً اقتصادياً ضخماً، وتحقيق فائض في الموازنة، وشهد عهده أضخم نمو في أسواق المال، والأهم نمو استثمارات التقنية والإصلاحات الاجتماعية من تقليص فارق دخل الرجل والمرأة ومكافحة السمنة للأطفال ورفع الإنفاق على علاج الإيدز، كل ذلك حدث لأنه جاء بأفكار متجددة وهو لا يشبه سلفه الديموقراطي (كارتر) في أي شيء. ‏أوروبا، تكفي أن تنظر إلى الأفكار الوجودية التي تعززت بعد الحرب العالمية تفهم المجتمع هناك، الحرية يصاحبها القلق، وضعف الأسرة يخلق العزلة، هو مجتمع فردي بامتياز لا يتحمل الإغلاق الإجباري، ولا يقبل القوانين، ويعشق التظاهرات برغم أنه يمتلك عدالة اجتماعية أفضل من المجتمع الأميركي، ‏يعلم أن الوباء لن يصيبه بالفقر مثل نظيره الأميركي، لكن ارتفاع حجم الدين عنده مجرد أرقام، ستبقى أميركا ودول منطقة اليورو الأكبر والأضخم، لكن أحداث الوباء أتعبت شعوبها كثيراً، ولكن ماذا بعد ظهور اللقاح؛ انضباط مجتمعات الشرق سوف ينجح في تحقيق تنمية أسرع أم الدول الغربية؟ نعرف ذلك في العام 21.

 

نقلا عن الرياض