لقد أدى التفاؤل بشأن لقاحات فيروس كورونا إلى ارتفاع أسعار النفط، كما أن أسهم شركات الطاقة في طريقها الآن لتحقيق أكبر مكاسب ربع سنوية منذ عام 1989. في الأسبوع الماضي استمرت أسعار النفط الخام في تحقيق مكاسب ووصلت إلى مستويات قياسية جديدة. فعند نهاية التداولات يوم الجمعة، تجاوز سعر خام برنت 52 دولارا للبرميل وسعر خام غرب تكساس الوسيط فوق 49 دولارا للبرميل. التفاؤل بشأن اللقاحات يفوق المخاطر الهبوطية من تزايد أعداد الإصابة بفيروس كورونا وتسجيل أرقام عدوى قياسية في الولايات المتحدة. هنا يختلف المحللون بشأن ما سيحدث بعد ذلك، لكن البعض يقول: إن النفط لديه فرصة أكبر في الاتجاه الصعودي.
في الواقع، ارتفعت أسعار النفط الخام الأسبوع الماضي إلى أعلى مستوياتها منذ أوائل الربيع بعد أن أعطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA الضوء الأخضر للقاح فايزر وبيونتك Pfizer and BioNTech، حيث قال مسؤولون حكوميون: إن عدة مئات من مواقع التطعيم في جميع أنحاء البلاد سيتم تزويدها باللقاحات بحلول الغد. لكن التجار الذين كانوا يشترون عقود النفط والوقود الآجلة بشغف متجدد خلال الأسابيع القليلة الماضية يستعدون الآن لتصحيح السوق. في هذا الجانب، قال محللو "رويترز": إن التجار من صناديق التحوط أبطأوا مشترياتهم من عقود النفط الخام والمشتقات، مشيرين إلى أن هذا هو الأسبوع الخامس على التوالي الذي يشتري فيه المتداولون بشهية نهمة. لكن، سيكون من الصعب الحفاظ على هذه الشهية حتى بعد بدء التطعيمات في الولايات المتحدة، وذلك لسببين رئيسين: كم من الوقت ستستغرق عملية التطعيم وأساسيات أسواق النفط.
لقد كانت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على لقاح فايزر وبيونتك خطوة رئيسة في الاتجاه الصعودي لأسعار النفط، لكنها كانت الأولى من بين عديد من الخطوات. حيث لا تزال هناك تحديات تتعلق بكل من توافر اللقاح بكميات كبيرة واللوجستيات. في هذا الجانب، ذكر بعض المصادر الصحافية أنه رغم أن تطعيم العاملين في المجال الطبي سيبدأ فورا، إلا أن الأمر سيستغرق شهورا حتى يتم تطعيم معظم الأمريكيين.
لقد اشترت الحكومة الفيدرالية الأمريكية 100 مليون جرعة من لقاح فايزر وبيونتك في وقت سابق من هذا العام، ما يعني أنه سيتم تطعيم 50 مليون شخص لأنه لقاح من جرعتين. وقالت شركة فايزر: إنها الآن لن تتمكن من توفير كميات إضافية من اللقاح حتى منتصف العام المقبل. باختصار سيمر بعض الوقت قبل أن تبدأ الأمور في العودة إلى طبيعتها.
أوروبا أيضا في وضع غير مؤكد بشأن التطعيمات. الحكومات حذرة من جعل لقاح فيروس كورونا إلزاميا، لكن هناك شك متزايد من الجمهور في لقاحات فيروس كورونا قد يضر بالجهود المبذولة لتحقيق مناعة القطيع من خلال التلقيح.
ثم هناك مسألة العرض والطلب على النفط التي يمكن أن تعرقل ارتفاع الأسعار الأخير. حيث تستعد مجموعة "أوبك +" لبدء ضخ نصف مليون برميل يوميا إضافية بدءا من كانون الثاني (يناير). من جهة أخرى تضخ الولايات المتحدة بالفعل مزيدا، وكذلك ليبيا التي أنتجت في وقت سابق من هذا الشهر نحو 1.25 مليون برميل يوميا.
في الوقت نفسه، خفضت "أوبك" توقعاتها للطلب على النفط لهذا العام. وتتوقع المنظمة الآن أن ينخفض الطلب بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا منذ بداية العام، إلى متوسط 89.99 مليون برميل يوميا. كما تم تعديل توقعات الطلب لعام 2021 هبوطيا. حيث تتوقع المنظمة الآن أن يبلغ متوسط الطلب على النفط في 2021 نحو 95.89 مليون برميل يوميا، وهو يمثل تحسنا كبيرا عن عام 2020 لكنه لا يزال أقل بمقدار 410 آلاف برميل يوميا عن التوقعات السابقة. كما أيضا لا تتطلع صناعة الطاقة الأمريكية إلى هبوط آخر في الأسعار، لذلك قد تمارس بعض الضغط على الرئيس المنتخب.
في الوقت نفسه، التعافي الآسيوي من الوباء هو بالتأكيد صعودي بالنسبة لأسواق النفط، وكذلك خروج أوروبا من الجولة الثانية من عمليات الإغلاق. وفقا لتقرير حديث لـ "بلومبيرج" مخزونات الوقود كانت تتراجع بشكل مطرد، حيث شهدت الهند، والصين واليابان انتعاشا في الطلب على البنزين. بالنسبة لعديد من المحللين، الانتعاش ليس سوى مسألة وقت، ويبدو أن هذه المرة سيكون العام المقبل، ما يشكل ضغطا تصاعديا على الأسعار رغم المخاطر الهبوطية. وفي هذا الجانب أيضا، قال بعض المحللين: إن النفط هو الأرخص من بين جميع الأصول التي انكمشت مع طرح اللقاحات ببطء، يتوقع المحللين أن يبدأ المستثمرون في العودة إلى قطاع النفط وتستمر الأسعار في الارتفاع.
لقد تباطأ زخم الأسعار بشكل ملحوظ خلال الأسبوعين الماضيين، وبينما قد تكون هناك حاجة إلى بعض العناوين الصاعدة الجديدة، أو غير المتوقعة لدفع الأسعار إلى منطقة عالية جديدة، إلا أننا سنلاحظ أيضا أن الأسواق قد طورت مناعة ضد العناوين الهابطة التي من الطبيعي أن تدفع الأسعار إلى أسفل.
بعبارة أخرى، بدأت الغيوم تنقشع فوق أسواق النفط. قد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تصبح السماء صافية تماما، لكن الطلب في تحسن، وفي النهاية هذا هو العامل الوحيد الأكثر أهمية في الوقت الحالي.
نقلا عن الاقتصادية