الميزانية بين الدين والتوازن

21/12/2020 0
د.صالح السلطان

جاء في بيان ميزانية العام المقبل أن العجز لهذا العام في حدود 300 مليار ريال. والعجز يعني أن النفقات أكثر من الإيرادات، فهو عكس الفائض. ويقدر أن ينخفض العجز إلى نصفه العام المقبل ثم يستمر في الانخفاض إلى أن يصل إلى بضعة عشر مليارا بعد ثلاثة إلى أربعة أعوام. وهذا ما يعني ميزانية في حكم المتوازنة، إيراداتها تساوي أو تقارب نفقاتها.

الاستدانة هي المصدر الأول في الأغلب في تمويل عجز ميزانيات الدول. والسؤال هل ننجح في الوصول إلى توازن وضبط الدين العام دون حدوث انكماش وركود اقتصادي؟

نعم ننجح طالما سرنا على منهج إيرادات ومنهج إنفاق يتسم بالتنويع والكفاءة. وهذا ما رغبت وترغب الدولة في تطبيقه والاستمرار في تطبيقه. وهذه الكفاءة تعني تحقق تحسين جوهري في بنية وفعالية إدارة المالية العامة خاصة الإنفاق العام والرقابة عليه.

عانت الميزانية بجانبيها الإيراد والإنفاق في الماضي أوجه نقص وخلل. عانينا في الماضي ضعفا في بنية الميزانية وضوابط الإنفاق العام. اتسم الإنفاق العام باعتماد مفرط على دخل النفط ذي الطبيعة المتذبذبة كثيرا، وبإنفاق أعلى من المبالغ المقرة في الميزانية عند اعتمادها من مجلس الوزراء.

وفرة الموارد لا تعني بالضرورة قدرة على تحقيق نمو اقتصادي راسخ.

نحمد الله أن بلادنا تبني نظما وآليات أكثر تقدما في مراقبة الالتزامات وتوزيع المخصصات. وهذا يعني رسم وتطبيق سياسة مالية عامة تعمل على توزيع/تخصيص allocate الموارد المالية بصورة تتصف بأنها أكثر توازنا، وأقوى في تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي الوطني، وأكثر فعالية في تحقيق النمو الاقتصادي القابل للاستدامة sustainable economic growth، وأشد قوة في قابلية الرسوخ sustainable، والتكيف مع الظروف الاقتصادية بأفضل ما يمكن.

الانضباط في المالية العامة يعني عدم الجريان وراء وهم أن الموارد متاحة كما نحب. وهذا يعني ضمن ما يعني محاربة الفساد والتسيب الوظيفي والإداري وإدارة الدين العام بأفضل ما يمكن. وعن هذا بقية المقال.

كيف ينبغي أن يدار الدين العام في الدول بأفضل ما يمكن؟

كل دول العالم تقريبا مدينة. ولذا فإن المديونية الحكومية صارت جزءا أساسيا من البناء الاقتصادي. ومن ثم فالنقاش ليس على أساس الدين، وإنما على حجمه وكيفية إدارته.

تنشئ الحكومات في وزارات المالية أو الخزانة إدارات بمستويات مختلفة بهدف ضبط وإدارة الدين العام بأفضل ما يمكن. وهنا نقاط.

أولا، ضبط حجمه:

لا تخفى على المسؤولين المعنيين أهمية إعطاء اهتمام قوي لضبط حجم الدين حتى لا يكبر مع الزمن بما يتجاوز حدود وقدرات الدولة على السداد. ويساعد على تحقيق هذا الهدف تطبيق العوامل التالية: إغناء المعلومات وجودة وقوة التنسيق بين الأجهزة المعنية بمالية الدولة والانتظام والشفافية والتجديد.

ثانيا، أهم مؤشرات إدارة الدين:

1 - تغطية برنامج الإصدار مع توفير الأمان الكامل:

تقوم الجهة المسؤولة عن إدارة الدين العام بتوفير الأمان لعمليات تمويل الدولة. وهناك طرق لقياس مستوى سلامة مناقصات طرح الدين بمقارنة حجم العطاءات المسجلة بقيمة المناقصة.

وتتمتع الدول ذات الملاءة العالية ومنها المملكة، بمعدل تغطية مرتفع، أي تقديم عروض أو تغطية تتجاوز كثيرا قدر الحاجة. وترجع هذه النتيجة إلى علاقة الثقة التي توطدت مع النظام المالي، ومع المستثمرين المحليين والدوليين وإلى جودة إعداد كل طرح.

2 - تحسين اختيارات الإصدار:

والهدف التنفيذ بأكبر قدر ممكن من الفعالية وبغية قياس فعالية اختيارات الإصدار، تقدر الجهة المسؤولة ذلك بمؤشرات مثل الوقت والتخصيص.

3 – التحكم في مدة متوسط بقاء الدين:

إن المؤشر المأخوذ به هو مدة متوسط بقاء دين الدولة القابل للتداول بعد عقود مبادلة أسعار الفائدة، ويندرج التحكم في مدة متوسط بقاء الدين في إطار استراتيجية شاملة.

وختاما فإن أوضاعنا التي تعودنا عليها عشرات السنين ومنها شدة الركون إلى الدخل النفطي تتطلب التدرج الزمني والتدرج العملي في الإصلاح والتغيير. الهدف تقليل الأضرار الجانبية. وهذه نقطة لا تخفى على مسؤولي وزارة المالية.

 

نقلا عن الاقتصادية