بناءً على كل من المواقف التي أطلقها الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن أثناء الحملة الرئاسية الانتخابية، وتوجهات مجموعات كبيرة لجمهور الحزب الديمقراطي أثناء الحملة، يتوقع أن يدعم الرئيس المنتخب سياسات مختلفة عن تلك الخاصة بالرئيس دونالد ترمب في مجالي البيئة والطاقة.
دعم بايدن بكل وضوح السياسة البيئية التي تبناها الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، التي تمثلت بانضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، هذه الاتفاقية التي انسحبت منها الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترمب بحجة أن هدف الاتفاقية هو تدمير الصناعة الأميركية؛ لأنها تحد من الطاقة الإنتاجية للمصانع الأميركية وتزيد من كلف الإنتاج مما يدفع بهذه الصناعات للهجرة إلى الدول النامية ودول العالم الثالث.
وشكل خطاب ترمب «أميركا أولاً» شعاراً أساسياً طوال عهده، ويتوقع أن يستمر جمهوره في الدعوة لإعادة الصناعات الأميركية إلى ديارها ثانية ولإعادة القوة لأميركا. وهذه شعارات تلهب حماس مؤيديه الملايين من اليمين الأميركي. وقد رادف هذه الشعارات في الحملة الانتخابية سياسات مكافحة «كوفيد - 19».
لقد أكد الرئيس المنتحب بايدن تكراراً، أنه سيستعيد عضوية الولايات المتحدة في اتفاقية باريس. وما تعيينه وزير الخارجية الأسبق والمدافع عن تحسين المناخ والبيئة جون كيري سفيراً متفرغاً للشؤون البيئية وعضواً في مجلس الأمن القومي الأميركي إلا دليل واضح على أهمية السياسة البيئية المقبلة. فهذا منصب حكومي رفيع؛ إذ سيمثل كيري الرئيس مباشرة في المفاوضات الدولية والمحادثات الداخلية.
بتأييده اتفاقية باريس، سيدفع بايدن بسرعة أكبر صناعات الطاقة البديلة التي تخفض من انبعاثات ثاني اكسيد الكربون. وهذه الصناعات تشجع الاعتماد على الذكاء الصناعي. ومن ضمن هذه الصناعات، تشجيع القوانين التي تمنع بيع المركبات التي تحرق البترول، وفتح المجال لعصر السيارة الكهربائية أو الهجينة. ستشجع حكومة بايدن تشريع القوانين والأنظمة لهذا الغرض. ومن المعروف أن ولاية كاليفورنيا قد شرعت فعلاً في عدم بيع السيارات التي تستعمل البنزين بدءاً من أواخر عقد الثلاثينات. وكاليفورنيا هي إحدى الولايات الكبرى والمهمة التي دعمت بايدن في حملته الانتخابية.
من المتوقع أن تواجه سياسة بايدن البيئية عقبات في تنفيذها. فهناك أولاً الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ التي تستطيع أن تعطل وترفض العديد من المشاريع البيئية. وهناك أيضا أنصار ترمب في مجالس البلديات والمحافظات في عدد لا يستهان به من الولايات الأميركية. وتتوافر الصلاحيات لهذه المجالس في الموافقة أو الرفض في منح الرخص لمشاريع بيئية عدة، منها منع السيارة المستعملة للبترول في مناطقها أو القوانين البيئية التي يتوجب على المصانع ومحطات الكهرباء الالتزام بها. ويستطيع الرئيس الأميركي، في حال معارضة هذه الولايات والبلديات القوانين الفيدرالية، أن يوقف المعونات المالية لمشاريع معينة. وتشكل العلاقة ما بين السلطة الفيدرالية والولايات وحتى البلديات (بالذات للمدن الكبرى) حيزاً مهماً من السياسة الداخلية الأميركية. فرغم خسارة ترمب الانتخابات الرئاسية، إلا أن حيازته 47 في المائة من أصوات الناخبين ودعم الملايين من مجموعات اليمين الأميركيين مقارنة بفوز بايدن بنحو 51 في المائة من الأصوات، يعني أن الجمهوريين سيستطيعون عرقلة البرامج «الليبرالية» التي يعارضونها بحماسة وإصرار، كالأمور البيئية. من ثم، فرغم عودة عضوية الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، فهذا لا يعني بحد ذاته إمكانية تنفيذ جميع التعهدات المبتغاة منها على الصعيد الأميركي.
وفيما يتعلق بالطاقة. فهناك أولاً المجال الدولي. والأنظار مشدودة حول عودة الولايات المتحدة إلى عضوية الاتفاق النووي الإيراني. إن الذي يتضح حتى الآن، أن الدول الأوروبية الحليفة الأعضاء في الاتفاق (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) لن تضغط على واشنطن في العودة للاتفاق بسرعة. وللعودة مهام سياسية إقليمية ونفطية مهمة. فبالنسبة للجانب الإقليمي، الأمر ذو أبعاد جيوسياسية للدول المجاورة لإيران والتي تتحمل وزر السياسة التوسعية الإيرانية في المنطقة. ونفطياً، فإن العودة لعضوية الاتفاق سيعني بدوره رفع بعض العقوبات النفطية عن إيران. لقد أدت هذه العقوبات إلى تقليص الصادرات النفطية الإيرانية من 2.4 مليون برميل يومياً إلى نحو 700 ألف برميل يومياً؛ مما يعني خسارة عشرات المليارات من الدولارات سنوياً؛ الأمر الذي أدى إلى ضعضعة الاقتصاد الإيراني. لكن استطاعت إيران في الوقت نفسه الاستمرار في الإنتاج على مستويات عالية نسبياً؛ إذ لم تقفل الحقول، بل تم تدوير مستويات الإنتاج منها. واستطاعت إيران في الوقت نفسه تخزين الملايين من البراميل على ناقلاتها التي رست في أعالي البحار بالقرب من موانئ الاستيراد الآسيوية الضخمة، منتظرة الإشارة للتفريغ. لذا؛ فإنه في حال عودة الولايات المتحدة إلى عضوية الاتفاق النووي الإيراني، سيعني تدفق الملايين من براميل النفط الإيراني القريبة من موانئ الاستيراد، زائداً إمكانية الإنتاج العالي. هذه الخطوات ستؤدي إلى إحداث هزة كبيرة في اتفاقية «أوبك+» لتخفيض الإنتاج، ومن ثم إلى تدهور الأسعار.
وفي المجال الداخلي الأميركي، لا يتوقع أن يساند الرئيس بايدن صناعة النفط الصخري، كما قام بذلك الرئيس ترمب. حقيقة الأمر، أن هذه الصناعة الحديثة العهد على مفترق طرق. فمن ناحية، هناك حقول عملاقة عدة تم اكتشافها، لكن لا تزال بانتظار تشييد البنى التحتية من خزانات وشبكات الأنابيب وموانئ التصدير. ومن المنتظر الانتهاء من تشييد هذه المنشآت خلال السنتين المقبلتين، مما يعني توقع زيادة ملحوظة في الصادرات الأميركية تقدر ما بين مليون ومليونَي برميل يومياً. لكن من ناحية أخرى، تواجه صناعة البترول الصخري خسائر فادحة بسبب استمرار انخفاض أسعار النفط، من ثم لا يتوقع أن تزداد الاستثمارات في قطاع الاكتشافات. فتكاليف إنتاج النفط الصخري تتراوح ما بين 30 و40 دولاراً للبرميل. ومستوى الأسعار الحالي (نحو 40 دولاراً) بالكاد تحقق الأرباح. فالصناعة ستواجه صعوبات دون عراقيل الإدارة الجديدة.
نقلا عن الشرق الأوسط