عندما ضرب الوباء صناعة النفط في فصل الربيع، وصف كثيرون الوضع بأنه غير مسبوق. لقد كانت الأسعار تتراجع بسبب زيادة العرض، لكن الطلب فشل في الاستجابة لانخفاض الأسعار بسبب الوباء. ثم انتهى الإغلاق في الصين، وتنفست الصناعة الصعداء. كانت الأمور ستعود إلى مسارها الصحيح. لكن عمليات الإغلاق عادت مرة أخرى، ويبدو أن العودة إلى الوضع الطبيعي الآن بعيد أكثر من أي وقت مضى.
يمكن أن يؤدي الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بفيروس كورونا في أوروبا والولايات المتحدة إلى تقويض أرقام الطلب على النفط في الربع الرابع حتى عام 2021. وفقا لبنك ستاندرد تشارترد، يمكن أن ينخفض الطلب بمقدار 2.17 مليون برميل في اليوم إلى 90.51 مليون برميل يوميا في تشرين الثاني (نوفمبر)، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تفاقم الوضع في أوروبا. حيث، تم الإعلان عن عمليات إغلاق جزئية في فرنسا، ألمانيا والمملكة المتحدة، من بين أماكن أخرى.
في يوم الجمعة الماضي، تم تداول العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط وخام برنت على انخفاض، متأثرة بالارتفاع المطرد في إصابات فيروس كورونا، ومع استمرار عدم استقرار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومع ذلك، انتهى الأسبوع على ارتفاع. قد تكون الخسائر على المدى القريب محدودة بسبب التوقعات بضعف الدولار وإمكانية أن تتخذ "أوبك" وحلفاؤها إجراءات لتحقيق الاستقرار أو زيادة تخفيضات الإنتاج الحالية.
لقد أسهمت المخاوف بشأن تراجع الطلب بسبب الارتفاع السريع في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا حول العالم وضعف الاقتصاد في دفع السوق إلى الانخفاض. ففي يوم الخميس الماضي، خفضت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي توقعاتها الاقتصادية، مضيفة أن الاقتصاد لن ينتعش إلى مستويات ما قبل الفيروس حتى عام 2023. إضافة إلى ذلك، قال نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي: إن نمو منطقة اليورو من المحتمل أن يكون سلبيا في الربع الرابع، حيث فرضت الدول قيودا جديدة على النشاط الاقتصادي خلال الأسابيع الماضية في محاولة منها لإبطاء انتشار الوباء. خفضت المفوضية الأوروبية توقعاتها لإجمالي الناتج المحلي لعامي 2020 و2021 بسبب الموجة الثانية من الإصابات.
في غضون ذلك، دخلت المملكة المتحدة الأسبوع الماضي في إغلاق لمدة شهر. رغم أن تأثير المملكة المتحدة على الطلب ليس مثل تأثير الصين أو الهند، لكن هذا ليس هو المهم. المهم هو حقيقة أن المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا قبلهما كانت بحاجة إلى إغلاق ثان للتعامل مع فيروس كورونا الذي دمر الطلب العالمي على النفط في فصل الربيع. هذا هو السبب في أن الإعلان أدى إلى انخفاض أسعار النفط، حتى سحب ثمانية ملايين برميل في الأسبوع الماضي من مخزونات النفط الخام الأمريكية لم يتمكن من دعم الأسعار.
في هذا الجانب، أشار جون كيمب محلل "رويترز" في عموده الأسبوعي عن أسواق النفط إلى أن المعنويات بين المتداولين قد انقلبت من التفاؤل إلى التشاؤم للأشهر الستة المقبلة. في وقت سابق، بدا أن هناك مستوى جيدا من الثقة بأن العرض سيتقلص خلال الفترة، وهذا من شأنه أن يدفع الأسعار إلى الأعلى. الآن، تجددت المخاوف من أن الاستهلاك قد يظل أقل من العرض وسط الموجة الحالية من العدوى. ويبدو أنه من غير المرجح أن تأتي الصين للإنقاذ هذه المرة.
في وقت سابق من هذا العام، انطلق أكبر اقتصاد في آسيا في فورة شراء النفط، مستفيدا من الأسعار المنخفضة تاريخيا. مع عودة النشاط الصناعي إلى الحياة زادت المصافي من معدلات تشغيلها. ثم بدأت طاقات التخزين بالامتلاء في حين ظل الطلب على المنتجات النفطية ضعيفا. بعد أن سجلت واردات الصين من النفط أعلى مستوياتها على الإطلاق في أواخر الربيع وأوائل الصيف، بدأت في الانخفاض. وفقا للمحللين، في هذا الربع، ستكون واردات النفط أقل مما كانت عليه في الربع الثالث، لكن المتداولون سيراقبون التطورات من كثب لمعرفة مدى ضعفها.
في هذه الأثناء، في الشرق الأوسط، يناقش منتجو "أوبك" اقتراحا لم يكن من الممكن تصوره قبل شهرين فقط. إنهم يفكرون في تعميق تخفيضات الإنتاج بدلا من تخفيفها كما هو مخطط في وقت سابق من هذا العام أو تمديد المعدل الحالي لتخفيضات الإنتاج.
في نيسان (أبريل) تم الاتفاق على تخفيف تخفيضات الإنتاج الحالية، وهي 9.7 مليون برميل يوميا، إلى 7.7 مليون برميل يوميا بدءا من تموز (يوليو). بعد ذلك، وفقا للاتفاقية الأصلية، كان من المقرر تخفيف التخفيضات بشكل أكبر إلى 5.7 مليون برميل يوميا بدءا من كانون الثاني (يناير) 2021. لكن قد تم التخلي عن هذه الخطط عندما فشلت الأسعار في الانتعاش، وتمسكت مجموعة "أوبك +" بالتخفيضات الأصلية لشهر تموز (يوليو). في اللحظة التي بدأوا فيها زيادة الإنتاج، انخفضت الأسعار.
لقد أعفيت ليبيا من اتفاقيات خفض الإنتاج ضمن مجموعة "أوبك +" بسبب مشكلاتها الداخلية التي شهدت عديدا من الانقطاعات في الإنتاج في حقولها النفطية ومحطات التصدير. تم إغلاق تلك الموانئ في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، ما أدى إلى تراجع إنتاج النفط من أكثر من مليون برميل يوميا إلى أقل من 100 ألف برميل يوميا. وبعد ذلك، في أيلول (سبتمبر)، انتهى الحصار وبدأ إنتاج ليبيا في التزايد، حيث تنتج الآن نحو 800 ألف برميل يوميا تتدفق إلى الأسواق المتخمة أصلا.
وفي الوقت نفسه، لا تزال قيود السفر قائمة، ما يعوق أي انتعاش محتمل في الطلب على النفط. ليس لدى "أوبك" كثير من الخيارات وسط عجز الميزانية وإجراءات التقشف، لذا فليس من المفاجئ أنها تتحدث عن العودة إلى التخفيضات البالغة 9.7 مليون برميل يوميا. لكن، حتى هذا قد لا يساعد الأسعار: حيث إن المتداولين مستعدون بالفعل لتمديد مستوى الإنتاج الحالي، وسيأخذون ذلك بسرعة في الحسبان. قد ترتفع الأسعار قليلا لفترة من الوقت، لكن كي تصمد أعلى، فإنها ستحتاج إلى بعض الأخبار الجيدة والموثوقة، مثل لقاح ناجح لفيروس كورونا.
نقلا عن الاقتصادية