تراجع الإنفاق مع تعثر الطلب على النفط

04/11/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

35 في المائة، هذا هو حجم تخفيضات الإنفاق التي من المرجح أن تكون شركات النفط والغاز قد قامت بها هذا العام استجابة للتأثيرات التي خلفتها جائحة كورونا على الطلب على النفط، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وهذا الرقم يمثل فقط انخفاض الإنفاق على مشاريع النفط والغاز، وهو مجرد جزء من اتجاه أوسع لتخفيضات الاستثمار في صناعة الطاقة، وفقا للوكالة التي نشرت في وقت سابق من الشهر الماضي تحديثا لتقرير استثمار الطاقة العالمي، الذي صدر أول مرة في أواخر الربيع. في ذلك الوقت، اعتقد البعض أننا نشهد أسوأ فترة من تداعيات الوباء. لكن كانوا، على ما يبدو مخطئين.

بالتأكيد تحسن الطلب على النفط في بعض أجزاء العالم، ولا سيما في آسيا، حيث نجحت الحكومات هناك في احتواء انتشار فيروس كورونا أكثر من نظيراتها في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية. لكن حتى في الصين - المحرك العالمي لتعافي الطلب على النفط - فإن الانتعاش يتباطأ. لكن، حتى لو تحسن الطلب على النفط فيها الصين، فإن توقف تعافي الطلب الإقليمي والعالمي، سيكون له تأثير سلبي فيها أيضا.

ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، سيظل تأثير الوباء في الاستثمارات في صناعة النفط محسوسا لأعوام مقبلة، وهذا ليس مفاجئا، فقد لاحظت الوكالة خفضا بنسبة 45 في المائة في استثمارات شركات النفط الصخري الأمريكية هذا العام، إلى جانب قفزة بنسبة 50 في المائة في تكاليف التمويل. رغم ارتفاع عدد منصات الحفر العاملة في الولايات المتحدة أخيرا، ما يشير إلى بداية الانتعاش، لكن الأرقام المسجلة نهاية الأسبوع الماضي تشير إلى أن الإجمالي ظل منخفضا بمقدار 564 منصة على أساس سنوي، لذا سيستغرق التعافي بعض الوقت.

وفي الوقت نفسه، تقدم تحديثات مخزونات الوقود من إدارة معلومات الطاقة إشارات متضاربة، فقد شهد الأسبوع قبل الماضي، على سبيل المثال، انخفاضا كبيرا في مخزون نواتج التقطير، التي يجب أن تكون أخبارا جيدة تشير إلى تحسن الطلب على نواتج التقطير. تكمن المشكلة في أن من المحتمل أن يكون هذا التحسن حدثا مؤقتا وليس اتجاها عاما. لا يزال السفر الجوي مقيدا إلى حد كبير، وفرص حدوث أي تغيير في الوضع الراهن ضئيلة.

عدم اليقين: هو السمة الرئيسة ليس فقط لصناعة النفط، لكن لجميع القطاعات الأخرى المتضررة من الوباء إلى حد خطير قد يؤدي إلى إحداث تغييرات في أنشطة الأعمال. هذا ما تفعله تماما شركات النفط الكبرى في أوروبا بدفعها نحو مصادر الطاقة المتجددة وتخطط لتقليل مساهمة أعمالها الأساسية - النفط والغاز - في الأرباح الإجمالية بشكل كبير. لكن الشركات الأمريكية الكبرى متمسكة بالنفط والغاز، وقد يكون لديهم سبب وجيه للقيام بذلك.

لقد كان هناك كثير من الحديث عن التعافي من أزمة الوباء. لكن الوباء ما زال مستشريا، ولم يقتصر الأمر على أنه لا ينحسر، بل يزداد قوة. وهذا يعني مزيدا من الأموال اللازمة لإجراءات التحفيز الاقتصادي. وهذا بدوره يعني إنفاق أموال أقل على مصادر الطاقة المتجددة، لأنه رغم الانخفاضات الكبيرة في تكاليف إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لا يزال الدعم المالي والتنظيمي من الحكومات ضروريا لنشرها على نطاق واسع.

لا يزال المستقبل مشوبا بعدم اليقين الذي يمتد إلى إمكانية حدوث انتعاش في الاستثمارات النفطية. وفقا للبعض، مثل شركة بريتيش بتروليوم، فقد تجاوزنا بالفعل ذروة الطلب على النفط، وبالتالي فإن ذلك يعني استثمارات أقل في نمو إنتاج النفط على مستوى العالم. ويأمل آخرون، مثل منتجي "أوبك +"، أن تعود الأمور عاجلا أم آجلا إلى طبيعتها، ويستمر الطلب العالمي على النفط في النمو لبضعة أعوام أخرى على الأقل قبل أن يستقر. ومع ذلك، حتى "أوبك" تستعد لسيناريو أسوأ.

من المقرر أن تخفف مجموعة "أوبك +" تخفيضات الإنتاج الحالية البالغة 7.7 مليون برميل يوميا إلى 5.8 مليون برميل يوميا ابتداء من كانون الثاني (يناير) من العام المقبل. ومع ذلك، فإن موجة جائحة كورونا الثانية في أوروبا والولايات المتحدة تهدد الانتعاش الاقتصادي والطلب وزادت من حديث السوق والتكهنات بأن مجموعة "أوبك +" قد لا تزيد و/ أو لا ينبغي أن تزيد المعروض من النفط في بداية العام المقبل. في الواقع، تدرس المجموعة تأجيل تخفيف التخفيضات المقبلة لإنتاج النفط، من كانون الثاني (يناير) 2021 إلى نيسان (أبريل) استجابة لأحدث الاتجاهات في إصابات فيروس كورونا.

يبدو أن هناك شيئا واحدا واضحا نسبيا وهو كلما استمرت الزيادة في عدد الإصابات الجديدة، طالت مدة عودة صناعة النفط إلى مسار التعافي والنمو. في الوقت الذي يتماسك فيه الطلب على النفط في الصين ويعود تقريبا إلى مستوياته الطبيعية، لا يبدو الطلب في الاقتصادات المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة مشجعا على الإطلاق، بسبب الارتفاع الحاد في حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا. بالفعل حذر المديرون التنفيذيون في صناعة النفط و"أوبك" نفسها أخيرا من أن الموجة الثانية للوباء هي تهديد للطلب وتؤخر التعافي من ركود الربع الثاني. في هذا الجانب، قال الرئيس التنفيذي لشركة بريتيش بتروليوم في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إن الموجة الثانية من حالات الإصابة بفيروس كورونا في العالم تؤثر في الطلب العالمي على النفط في النصف الثاني من هذا العام "ربما أكثر قليلا مما كنا نعتقد".

 

نقلا عن الاقتصادية