كان قدر المملكة أن تتولى رئاسة مجموعة العشرين التي تسيطر على نحو 85 في المائة من الناتج الإجمالي للاقتصاد العالمي، خلال العام الأكثر صعوبة على العالم منذ الكساد الكبير في القرن الماضي، وأن تتولى قيادة دفة الاقتصادات الأكبر عالميا في مواجهة الآثار العكسية شديدة الوطأة، التي نتجت عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، تركت آثارها في النمو الاقتصادي والتقلبات الهائلة التي سيطرت على أسواق المال حول العالم، وتصاعدت معها معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة في معظم دول العالم، وفقد عشرات الملايين من العمال وظائفهم تحت وطأة هذه الجائحة، وتقطعت على أثرها سبل السفر والانتقال والتبادل التجاري بين أغلب الاقتصادات، إلى غيره كثير من التداعيات التي ما زالت بصماتها متجسدة على وجه أغلب الاقتصادات حول العالم، وقد يشهد العالم فصلا جديدا من تلك التداعيات العكسية مع بوادر بدء المرحلة الثانية من انتشار الجائحة، بدأت تظهر جلية على أوروبا التي عادت أكبر الاقتصادات فيها إلى تفعيل الحظر فيها.
لم يكن من السهل إطلاقا أن تتولى أي دولة في العالم رئاسة أكبر 20 اقتصادا في العالم، وتعمل على توجيهه في ظل أوضاع الاقتصاد العالمي فيما قبل اجتياح تلك الجائحة أنحاء المعمورة، التي لا تزال تعاني تبعات الأزمة المالية العالمية 2008، فكيف إذا زادت تلك التحديات الجسيمة بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا في مختلف أرجاء العالم مع مطلع العام الجاري؟ إنه العبء الأثقل وزنا بكل تأكيد على الجميع، وإنه لمن فضل الله العظيم على هذه البلاد الغالية وقيادتها الحكيمة، أن يتحقق لجميع جهودها في هذا الشأن النجاح والتوفيق، وتبرز في ظل هذه الأمواج العاتية التي خاضها الاقتصاد العالمي القدرات والإمكانات السعودية، وتعكس بوضوح تام للجميع مرحلة بعد مرحلة القدرات السعودية التي أصبحت أحد المكتسبات الحقيقية.
لقد نجحت المبادرات والسياسات التي انبثقت عن الاجتماعات والورش بقيادة المملكة لمجموعة العشرين، وتمكنت - بحمد الله - من تعزيز قدرة الاقتصاد العالمي على التصدي اللازم تجاه تداعيات انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، وتمكنت المجموعة وعديد من الدول معها من ضخ أكثر من 11 تريليون دولار، لتعزيز قدرات الحكومات على الوفاء بالالتزامات التي على عاتقها في مواجهة تداعيات الأزمة، ولأجل توطيد استقرار أسواق المال والصرف والسلع حول العالم، ولأجل التصدي لأي انعكاسات بالغة الضرر على أسواق العمل في مختلف الدول، وبناء جسور حماية مالية كافية لعشرات الملايين ممن فقدوا وظائفهم وأصبحوا دون مصدر دخل، إضافة إلى توفير المتطلبات المعيشية اللازمة والكافية لمن أدت بهم هذه الأزمة المفاجئة إلى الوقوع في براثن الفقر والعوز، والعمل المشترك بين جميع دول العالم على بناء وتعزيز القدرات الصحية والعناية الطبية اللازمة، وضرورة استمرار مسارات التعليم بجميع مؤسساتها في العمل وعدم التوقف، والمساهمة في توفير كل الأدوات والإمكانات اللازمة لاستمرار إحدى أهم أدوات تقدم المجتمعات والدول، إضافة إلى تعزيز أدوات حماية المرأة والطفل من التداعيات العكسية لمثل هذه الأزمات عليهما، والعمل بمزيد من تركيز الجهود على هذه المسارات الحيوية في حياة البشر في الدول النامية والأقل دخلا والأشد فقرا في كثير من أنحاء العالم، وتمسك المملكة بضرورة أن تبادر الدول الغنية وتستمر في عمليات ضخ الديون اللازمة لها وجدولتها بيسر، وتبادر أيضا بإعفائها أو سهولة تسديدها قياسا على الأوضاع الراهنة بالغة التعقيد التي يمر بها العالم بأسره.
لقد ترجمت المملكة كل ذلك على أرض الواقع محليا، وقامت به قبل أن تتولى المبادرة بطرحه على مجموعة دول العشرين، وأن يتحول إلى برامج وسياسات يتم تطبيقها في مختلف تلك الدول وغيرها من بقية دول العالم، هو ما كان له التأثير الأقوى في الإقناع وسرعة التنفيذ، وهو ما أصبح في مجمله على مستوى تدعيم البناء الإنساني، والضرورة القصوى لحماية الفرد والأسرة والمجتمع العنوان الأبرز الذي سيخلده التاريخ البشري لعقود طويلة مقبلة، والتجربة التي سيحتذى بتفاصيلها في مواجهة أي أزمات محتملة التكرار.
أن يعبر العالم بسلام وبأقل قدر ممكن من الخسائر هذه الأزمة الأكبر صعوبة عليه منذ أكثر من تسعة عقود مضت، وفي سجله أن المملكة كانت هي من تتولى رئاسة مجموعة العشرين، وسيدون في سجلاته كثيرا من أوسمة النجاح والقدرة والكفاية على القيادة والإنجاز، فهذا بكل تأكيد منجز جديد سيضاف إلى سجل منجزات هذه البلاد العزيزة محليا ودوليا، وسيكون إضافة إلى دوافع وتطلعات جميع من ينتسب إليها قيادة وشعبا لتحقيق مزيد من المنجزات والتقدم بتوفيق من الله.
نقلا عن الاقتصادية